هكذا كانت تقول جدتي: (الديمة.. الديمة.. بس قلبنا بابها).. وذلك عندما تعلمني العمل ثم لاأطبقه كما قالت تماماً, وعندما أحاول تطبيقه مرة أخرى أطبقه بطريقة مختلفة, حينها تضجر وتقول هذا المثل, كتوبيخ غير مباشر, تهدف منه إشعاري أني لم آت بجديد يغير شيئاً. وليت جدتي لم توبخني, لأن ما فعلته ليس شيئاً يذكر مما فعله غيري, فما فعله ويفعله وسيفعله غيري في هذا المجال شيء يشبه الخيال, وهذا ما يحدثنا عنه واقعنا. فنحن هربنا للتغيير لنغيّر, وإذ بنا كالمستجير من الرمضاء بالنار, فالناس الذين افترشوا الساحات, وأنشدوا الأناشيد, وضحوا بالشباب, و و و و و فعلوا كل ذلك لماذا؟! للقضاء على الفساد, للخلاص من السرق الذين استنزفوا كل شيء, حتى أسماءنا, حتى الهواء الذي نتنفسه, حتى مجرد التفكير في حياة كريمة وشريفة, حتى بجوع ومرض وقهر, للخلاص ممن لايشبهون البشر في شيء, الذين عاثوا في الأرض فساداً, وليتنا حققنا بعد كل ذلك العذاب شيئاً, للأسف جاء مابعد الثوار ليسرقوا ما لا يمكن تخيله أن يسرق, ليسرقوا كل شيء, وللأسف تحت مسمى الوطنية والثورة, على الأقل السرق القدامى كانوا لا يسرقون تحت أي مسمى, كانوا سرق ويفتخرون بإنجازاتهم في هذا المجال ويعترفون بكل شيء ظهاراً جهاراً. أما سرقنا الجدد فيخفون تحت أظافرهم أسماء وشخصيات وأرواحاً جديدة, تختلف عن كل ما يحمله بنو البشر.. وإليكم أبسط مثال على ذلك. سرقنا القدامى كان المسئول يعيّن أولاده وأولاد أولاده وأصحابهم والأسرة البعيدة والقريبة ثم يبدأون بعد ذلك ببيع الوظائف ومستحقات الدولة, وماشاء الله, بمعنى كانوا (يَأكلون ويُأكلون), يسرقون ويبقون شيئاً للشعب ما تيسر, أما سرقنا الجدد الشرفاء والنبلاء والثوار فلم يتركوا للشعب شيئاً, فالمسئول الآن يعين أولاده ثم بناته ثم أزواجهن ثم القريب القريب ثم من أحزابهم, وهنا تغلق الدائرة, باقي الشعب يجب أن تطبق عليهم الأنظمة والقوانين, ويجب أن يطبقوا الدستور ويحافظوا عليه, وتصرف خزينة الدولة مستحقات لجمعيات وهمية لاوجود عليها باسم عمل خير. ومن هالك إلى مالك إلى عزرائيل, والديمة هي الديمة، وبالعكس هربنا من سرقنا المحترفين, إلى الأكثر دقة واحترافاً, وتحت مسميات جديدة, وبتصنع الالتزام والتضحية والعطاء والثورة. ياعالم.. ياناس ألا يمكننا أن نكون كما يجب ولو لمرة واحدة. رابط المقال على الفيس بوك