حظيت بعض جامعاتنا في السنوات القليلة الماضية بقيادات إدارية جادة ومتميزة ارتقت بمستوى الأداء الإداري والمالي والأكاديمي، واستطاعت أن تسجل حضوراً بارزاً في سماء تلك الجامعات، وأن تترك أثراً عميقاً في نفوس أعضائها ومنتسبيها لتفانيها واهتمامها المتواصل بمصالحهم وبمصالح الجامعة، وتقديمها على كل مصلحة عداها، كما تمكنت بفضل حنكتها ومتابعتها المستمرة أن تضع علامات فارقة في تاريخها (أعني تاريخ الجامعات)، وأن تشيد منجزاتٍ ضخمة ستبقى شواهد حال حية على فترة توليها مهام قيادة تلك الجامعات، وستسجل في الذاكرة الحية والسجل الذهبي لها، وفي مقابل ذلك ابتلي بعضها الآخر بقيادات مترددة وضعيفة، وعاجزة عن القيام بكثير مما أوكل لها من مهام وأعمال إلا فيما ندر، ويبدو أن كثير منها ليست مكترثة أو ملتفتة لتحسين إدارة شئون الجامعة مالياً وإدارياً، وغير مهتمة بتطويرها أكاديمياً وعلمياً، عبر استقطاب الكفاءات العلمية النادرة والمتميزة أو إعادة تأهيل وتدريب الكوادر البشرية الموجودة من أجل الارتقاء بمستواها وتحسين أداءها الأكاديمي والبحثي، وسجلها خالياً من أية إنجازات أو نجاحات يمكن أن تذكر أو تترسخ في ذاكرة منتسبي الجامعات، ولعل همها واهتمامها متركز على بعض الأمور الأقل أهمية أو الثانوية، وإجراء بعض التغييرات الشكلية في الهيكل الإداري، والقفز على المشكلات الحقيقية التي تعاني منها كثير من الجامعات الوطنية، أو تجاهلها أو تأجيلها وترحيلها أو الهروب منها على أمل أن يجود “الباري” بمعجزة أو حل سحري لها، وقد غدت بتصرفاتها وقراراتها غير المدروسة والخاطئة سبباً في حدوث كثير من مشاكل الجامعات وتحولها إلى أزمات بنيوية ستنخر كيان وبنية كل جامعاتنا الوطنية مستقبلاً إن لم تتدارك الجهات المعنية هذه الوضعيات الكارثية. ربما يعود الأمر في ظني إلى فقدان بعض تلك القيادات لكثير من السمات والمؤهلات والشروط التي يفترض توفرها فيمن يرشح لتولي هذه المراكز القيادية، وربما لأن تعيين بعض تلك القيادات تم دون مفاضلة أو معايير قانونية؛ لأنها تمت إما لاعتبارات شخصية أو سياسية وحزبية أو أمنية، ودون الالتفات إلى الشروط والمؤهلات التي يحددها قانون الجامعات اليمنية ولائحته التنفيذية فيمن يرشح لتبوء هذه المهام والمناصب الهامة والحساسة، ودون الانتباه إلى خصوصية وحاجة كل جامعة من جامعاتنا إلى ترشيح قيادات كفوءة ومؤهلة تنتمي لذات الجامعة، لأنها أكثر إلماماً ومعرفة بكل الهموم والمشاكل والظروف والعوامل المادية والبشرية والمجتمعية المحيطة والمرتبطة بتلك الجامعة بكل مكوناتها، وغيرها من الأمور الكفيلة بحسن إدارتها وتسييرها، وما نستغرب له أيضاً، أن جميع الترشيحات والتعيينات التي كانت تصدر سابقاً “لأساتذة” أو “أساتذة مشاركين”، - وأحياناً “أساتذة مساعدين” - انحصرت في عددٍ محدودٍ من منتسبي جامعة صنعاء وحدها لتولي مهام قيادة بعض الجامعات اليمنية، وكأن أعضاء باقي الجامعات قاصرين عن القيام بنفس تلك المهمة، وبعض تلك التعيينات صدرت بالمخالفة الصريحة لنصوص قانون الجامعات اليمنية ولائحته التنفيذية التي تحدد الشروط والمعايير الواجب توفرها في كل منصب إداري أو أكاديمي في الجامعات اليمنية، ومدته، وكذا في تحيز وتجاوز واضح لكل الظروف الواقعية والموضوعية الاستثنائية التي فرضت اقتصار التعيينات في تلك المهام على منتسبي جامعة صنعاء دون غيرها لفترة طويلة من الزمن؛ بسبب حداثة بعض الجامعات أو لعدم توفر عدد كاف من أعضاء هيئة التدريس فيها من نفس الدرجة التي حددها القانون في فترة ماضية، ولأن النص هنا جاء على سبيل الاستثناء، فلا يجب أن يغدو الاستثناء هو الأصل أو القاعدة هكذا إلى ما لا نهاية، ولا يصح أن تبقى جميع الجامعات اليمنية وأعضائها مجرد ملحقات أو “توابع” لقائمة طويلة من طوابير “نخبة” القيادات المنتمية لجامعة صنعاء المرشحين لشغل هذه المناصب إلى ما لا نهاية، هذه الأمور والتجاوزات، وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره، تحتاج من قيادة وزارة التعليم العالي الوقوف بجدية أمام تقارير الأداء السنوي لتلك القيادات، والعمل من أجل تصحيح الأوضاع والتعيينات غير المقبولة في كثير من جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية، أو النزول ميدانياً لاستطلاع آراء أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب حول تقييم الأداء المالي والإداري والأكاديمي لتلك القيادات، ومراجعة جميع القرارات الصادرة في الفترة الماضية بالمخالفة للشروط التي تحددها نصوص قانون الجامعات اليمنية ولائحته التنفيذية، لاتخاذ القرار المناسب بالإبقاء على تلك القيادات أو تغييرها بعيداً عن الحسابات السياسية أو الشخصية، أو المطالب “غير القانونية” بإجراء انتخابات لها، إلا بعد صدور القانون المنظم لهذه العملية، الذي يحدد الشروط والمعايير الواجب توفرها فيمن يتقدم لترشيح نفسه لها, وأقترح على معالي الأخ الوزير أن يبدأ بمراجعة التقارير المرفوعة من اللجان المشكلة في فترة تولي الأستاذ الدكتور يحيى الشعيبي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي عن أوضاع بعض الجامعات اليمنية الحكومية، بدلاً عن تكليف لجان جديدة للقيام بنفس المهمة، وفي تقارير تلك اللجان من الوقائع والحقائق والشهادات والشكاوى ما يكفي لمعرفة مستوى أداء كثير من رؤساء وقيادات الجامعات اليمنية، وعلى ضوئها يمكن لمعالي الأخ الوزير اتخاذ القرار المناسب بشأن كل القيادات الإدارية في جامعاتنا اليمنية, ونسأل الله له التوفيق والسداد،،، ويكفينا الإشارة إلى أن جميع المناصب الوزارية والإدارية الهامة في بلادنا صارت هي أيضاً احتكاراً رسمياً “لنخبة” قليلة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء وبعض “المحظوظين” من أعضاء هيئة التدريس بجامعة عدن، وغيرها من المناصب التي تصدر بها الترشيحات والقرارات الوزارية فيما يشبه التدوير النخبوي المغلق لذات الوجوه، ودون النظر إلى باقي الأكاديميين الأكفاء من جامعاتنا الوطنية، ولو من باب الإنصاف والمساواة وعدالة التوزيع، وتطبيق المعايير والشروط القانونية في الترشيح والتعيين في تلك الوظائف اعتماداً على قاعدة بيانات حقيقة يفترض توفرها لدى وزارة التعليم العالي عن مستوى الأداء الأكاديمي والبحثي لجميع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية.