مشروع تعديل نصوص قانون الجامعات اليمنية، وتغييرها بنصوص تتضمن انتخاب رئيس الجامعة ونوابه بدلاً عن التعيين، التي جاءت عقب الاتفاق الذي توصل له القائم بأعمال رئيس جامعة صنعاء الأستاذ الدكتور أحمد الشاعر باسردة، في اجتماعه الاستثنائي بقيادة نقابة أعضاء هيئة التدريس، ونقابة الموظفين، والاتحاد العام لطلاب اليمن (كما وردت في الخبر عبر النت، وأعتقد أنه ربما قصد اتحاد طلبة جامعة صنعاء)، هي في الحقيقة أكثر من ضرورية، وربما تمثل نقلة “ديمقراطية”، و“جرعة” إصلاحات ضرورية قد تنتشل جامعاتنا من واقعها الذي تعيشه، وقد تكون كذلك، سبباً “إضافياً” في دخول كثير من جامعاتنا اليمنية مرحلة النزع الأخير، أو ربما الموت السريري البطيء إن لم يتم وضع جميع المعايير والاعتبارات القانونية الكفيلة بإنجاحه وتحقيق الهدف “البعيد” والأسمى من طرح وصياغة هذا المشروع. ولأن الموضوع إن كتب له التحقق والموافقة ومرّ في مجالس الجامعات والوزراء والنواب يهم جميع جامعات اليمن وكل منتسبيها ولا يرتبط بجامعة صنعاء وحدها، أود في هذه التناولة أن أطرح بعض التعليقات والملاحظات والمقترحات الأولية على طاولة النقاش حول ما قد يشكله التسرع في اعتماد هذا المشروع من مخاطر إن تم “تمريره” دون مناقشة جميع حيثياته وسبل تنفيذه، والآثار المتوقعة لإعماله في واقع جامعاتنا اليمنية كلها، التي لا تحتمل فتح مزيد من أبواب الصراع التنظيمي والحزبي والشخصي بين الزملاء من أعضاء هيئة التدريس. وأرجو أن لا يفهم أحد من حديثي على أنه اعتراض على أمر لم يحصل بعد، أو محاولة لوضع العراقيل أمام إنفاذه، أو أن سبباً ما دفعني للكتابة حوله. أولاً: أعتقد جازماً بضرورة أن يتم إشراك جميع نقابات وقيادات الجامعات اليمنية الأخرى من أجل صياغة وإخراج المسودة الأخيرة من مشروع تعديل القانون الذي سيقدم إلى وزارة التعليم العالي أو مجلسي الوزراء والنواب، لأهمية ما سيترتب عنه مستقبلاً، وحتى لا تبقى جامعات الجمهورية اليمنية مجرد “توابع” أو مواليد مشوهة لجامعة صنعاء “الأم”. وهذا حق “دستوري” كفلته قوانين الجمهورية لجميع أعضاء هيئات التدريس اليمنيين ونقاباتهم، ولم يحصره القانون مع احترامي لجميع المقامات والأقدمية الأكاديمية والإدارية والتاريخية لجامعة صنعاء وكادرها الإداري والتدريسي في رئيس ونقابة أعضاء وعاملي جامعة صنعاء وطلابها، أو المجلس الأعلى للجامعات اليمنية، أياً كانت المبررات التي دفعتهم لإقصاء وتهميش آراء “الآخرين”، في زمن لم يعد أحد “يقبل” هذا الأسلوب. وإلا كان وضعهم أشبه بمقولة “عادت ريما لعادتها القديمة”. أو أصبح الموضوع لا يعني أحداً سواهم. ثانياً: لأن العملية لها مقدمات وسوابق ترتبط بالممارسات القديمة والأخطاء المرتكبة من بعض القيادات السياسية والإدارية والقانونية والأكاديمية، وسيكون لها بالتأكيد آثار إيجابية أو سلبية إدارياً وأكاديمياً أعتقد بضرورة وأهمية تشكيل لجان من جميع الجامعات لوضع بعض المعايير والشروط التي تؤهل عضو هيئة التدريس لخوض غمار التقدم أو المنافسة والترشيح لأي منصب إداري داخل الجامعة: رئيس، نائب، مدير مركز، أمين عام جامعة، أمين عام كلية. أما رئيس القسم فهي وظيفة أكاديمية وليست إدارية، حتى إن تولى رئيس القسم بعض المهام الإدارية، وأعتقد أن ربطه بمسألة الأقدمية العلمية ستكون حلاً مرضياً للجميع. مع وجوب تشكيل لجان مشابهة لمراجعة واعتماد مشروع التوصيف الوظيفي لجميع المهام الإدارية السابقة وتوحيدها في كل جامعات الجمهورية، اعتماداً على الأدلة الإقليمية والدولية المتوفرة، حتى نقدم لجامعاتنا “خدمة” جليلة تنقلها إلى مصاف الجامعات العربية والدولية العريقة بعراقة نظمها الإدارية والأكاديمية. ثالثاً: بالتزامن مع ذلك، أعتقد أنه حان الوقت لمراجعة جميع اللوائح والأنظمة المعتمدة في كل الجامعات اليمنية، وتعديل سياساتها وخططها على ضوء المتغيرات الجديدة، مع وجوب إشراك ممثلي جميع النقابات والاتحادات الطلابية فيها، والجهات ذات العلاقة بكل واحدة منها. وهذا يقتضي تشكيل لجان متخصصة من دوائر الجودة والاعتماد والتطوير الأكاديمي ونقابات أعضاء هيئة التدريس في كل الجامعات اليمنية من أجل صياغة “ميثاق الأخلاق الأكاديمية” التي تضمن احترام الجميع لقيم الزمالة والأقدمية، وميثاق “الطالب الجامعي” وغيرها من المواثيق التي ترسخ القيم والأعراف الأكاديمية التي باتت جامعاتنا مع الأسف تفتقد كثيراً منها. ويمكن تشكيل لجان متخصصة في كل جامعة يمنية حول واحد أو أكثر من هذه المحاور السابقة، وبما يضمن مشاركة الجميع في عملية الانتقال “السلمية”، و“التطوير” الديمقراطي والتشاركي لجامعاتنا. رابعاً: أعتقد أن أغلب مشكلاتنا في الجامعات اليمنية من واقع تجربة إدارية مريرة تكمن في “تبعية” جميع الوظائف الإدارية لهيكل وظيفي جامد أو غير مستكمل، يضاف إلى غياب الاستقلال المالي والإداري على مستوى الكلية والجامعة، وجمود الواقع المالي والإداري في الدولة المرتبط بموازنات سنوية “غير مرنة” وربما “غير حقيقية” أو “خاضعة لقوة الأطراف المتفاوضة” من وزارة المالية والجامعة المعنية وقدرة كل طرف على “الإقناع”، أو “التقدير الجزافي” الذي يكون سيد الموقف في كثير من الأحيان، وبذا تصبح هذه المشكلات بمثابة “متوالية إدارية” تبدأ بالحلقة الأصغر أمين الكلية و”رئيس القسم” وتتوالى عبر جميع المراكز الإدارية بالجامعة لتصل في الأخير إلى باب مسدود يعيق أي تطوير أو تحسين لجودة المخرجات وأداء الجامعات لرسالتها الحقيقية. وهذا الواقع لا يمكن أن يحل بالانتخاب وحده، لأن كل “مسئول جديد” سيمر من نفس السراط المستقيم، ولن يجد عذراً في هذا الواقع، تارة بداعي “الضعف” أو غياب الفاعلية، أو “المحاباة”...، وغيرها من الأسباب التي ستؤدي في حال الاعتماد على “الانتخاب” إلى زلزلة وضع الكليات والجامعات برمتها، لأنها ستكون سبباً يدعو في كل مرة إلى طلب إعادة “انتخاب” قيادة جديدة، ولأن الانتخاب قد يضمن العدالة والمساواة، لكنه لن يضمن الفعالية والقدرة والكفاءة على أداء الأعمال الإدارية. علماً أن الانتخاب وحده قد يكون سبباً في حدوث كثير من التجاوزات لحرص كل مسئول على استرضاء جميع أعضاء الهيئة “الناخبة”!! أخيراً، تقودنا النقطة السابقة إلى ضرورة تشكيل لجان متخصصة لوضع ضوابط “لآلية” الانتخاب، وشروط الترشح والاختيار لكل “مهمة” إدارية وآلية الانسحاب والطعون، وإعادة الانتخاب، وطرق العزل أو الإقالة، وغيرها من الإجراءات التي تنظم هذه العملية، حرصاً على القيم والتقاليد الجامعية المرعية في كل الجامعات العالمية، بما في ذلك تنظيم طريقة إعلان الفائزين وشفافيتها المطلقة. والأهم من كل ذلك هو مراجعة أساليب كل جامعات العالم وطرقها في تحديد قواعد التنافس على أي منصب إداري أو أكاديمي، وتعزيز طرق الرقابة عليها، والمعايير التي يجب توفرها، وطريقة احتساب النقاط بين المتنافسين، وربما تكون لنا تناولة قادمة للحديث حول نفس الموضوع، إن شاء الله تعالى. (*)جامعة إب