سنان بيرق من يعرف حجم الكارثة التي التهمت ملامح اليمن، سيدرك دون كثير عناء لماذا يتسابق الناس اليوم بقلوبهم قبل أقدامهم نحو نتائج اللوتري الأمريكي، ذلك الحلم المعلّق على خيط الحظ، وكأنه طوق نجاة يتمنونه وهم يتنفسون الغرق. في هذه الليلة وحدها، تلقيت عشرات الاتصالات من زملاء وأصدقاء ورفاق، يسألونني بحرقة: "هل ظهر اسمي؟ هل كُتب لي العبور إلى أمريكا؟" وكأن القدر هناك فقط، وكأن الأمل ارتحل إلى الضفة الأخرى من الأطلسي. هذا ليس مجرد طموح بالسفر، بل انعكاس مرير لوطنٍ لفظ أبناءه أو كاد، وطنٍ خذل أحلامهم فركضوا خلف أي بارقة خلاص. نحو 90٪ من أبناء هذا الشعب المنكوب يتمنون الهجرة، لا حبًا في الغربة، بل فرارًا من وطنٍ لم يعد يُحتمل، وطنٍ أصبح أشبه بمحطة مؤقتة، يودّ الجميع مغادرتها، لا إقامة فيها ولا اطمئنان. ومن يراقب ملامح الفرح والانفجار العاطفي لأولئك الذين ظهرت أسماؤهم، ثم ينظر إلى وجوه الذين لم يُكتب لهم القبول، سيقرأ الحقيقة كما هي: هذا البلد لم يعد قابلًا للحياة. لو أن السيد دونالد ترامب اطّلع على كمّ الألم والإحباط الذي اجتاح وجوه الآلاف الليلة، لفكّر جديًا في فتح أبواب بلاده لأكبر عدد منهم، لا شفقةً فقط، بل احترامًا لإنسانيتهم المهدورة. سألني أحدهم متلهفًا: "هل قُبِلت في اللوتري يا أستاذ سنان؟" ابتسمت، نظرت إلى السماء قليلًا، ثم قلت له: "كل ما أستطيع قوله الآن... أني تمنيت لو أن أخي كان من المقبولين." إنه الحلم… الحلم بوطنٍ لا نُسقطه من الذاكرة، وطنٍ لا نحلم فيه بالفرار، بل بالاستقرار والكرامة والعيش الكريم.