من المؤكد أننا لسنا مع أحد في حالة خروجه عن القانون, لكننا نساند بشدة كل من يقع عليه ظلم الحياة وقسوة الواقع وبطش الظروف.. والكلام ليس مجرد شعار نرفعه ولا عبارات نردّدها لتعجب كل من يقرأها لكنها حقيقة لابد أن ندافع عنها في سبيل اكتمال مسيرة هذا الوطن نحو المستقبل الذي نتمنّاه جميعاً.. هذا المستقبل الذي يفرض علينا حل مشاكلنا بسرعة لنلحق بركب الحضارة الطائر الذي لن ينتظر أحداً. لا شك أن مشكلة الباعة المتجولين من المشكلات الشائكة التي تحتاج لنظرات وحلول مختلفة, تحتاج لدراسة عادلة تكفل سماع وجهات النظر المتعددة خاصة أنها حتى الآن مازالت تؤخذ من وجهة نظر واحدة وهي التي تؤكد مخالفة الباعة وأهمية القضاء على نشاطهم مهما كلف ذلك من وقت وعواقب!. لم يسمع أحد لمشكلاتهم أو صرخاتهم أو معاناتهم المستمرة لكسب رزقهم.. لم ينظر أحد إليهم نظرة المظلوم الذي يبحث عن حقه في الكسب المشروع والحياة الهادئة. لم يسأل أحد نفسه لماذا يضع شاب في مقتبل العمر نفسه وسط مهانة الهروب الدائم من حملات البلدية وتعاملات البلاطجة ورجال الأمن معه بشكل لا إنساني وحشي وحاد للغاية باعتباره خارجاً عن القانون لمزاولته البيع دون ترخيص وتشويهه وجه المدينة الشاحب؟!. لم يسأل أحد نفسه عن حال هؤلاء الشباب لو لم يجدوا لقمة العيش هذه, ماذا سوف تحل بهم من نكبات الزمن والحياة ومن لدغات البشر التي لا ترحم, وكيف سيتشوّه وجه أعمارهم البائسة؟!. كلنا بالطبع يعرف مرارة الحياة وضغوطها, ويعرف أنه عندما تضيق الأرزاق تلمع عيون الشيطان ويبحث لنفسه عن مكان في القلوب الضائعة لنجد بعد ذلك أنفسنا لا نتصدّى للباعة المتجولين الذين يبحثون عن رزقهم دون تراخيص وحسب؛ بل نهرول وراء مجموعة من المجرمين الخارجين عن القانون والمدمنين والقتلة, ولهم كل الحق في ذلك بعد أن حرمهم المجتمع والحكومة حقهم في الكسب الحلال وحوّلوهم إلى مشاريع إجرام فتاكة. من حق الدولة أن تحافظ على شكل المدينة نظيفاً, لكن بشرط ألا يهدّد ذلك مئات الشباب الذين يعتمدون في رزقهم على ذلك “الجاري” وتلك “العربة” و”البسطة” يمكنها أن توجّههم وتتابع تراخيصهم دون أن تحوّلهم إلى مجرمين وإلى بطالة جديدة تملأ الشوارع والأرصفة والمدن المختلفة. من حق الدولة أن تطبق القانون, لكن الباعة الذين لا يعرفون طريقاً آخر للرزق سوى الوقوف في الشارع لهم أيضاً الحق في بعض الرعاية من الدولة ولن تكلّفها الكثير لكنها ستوفر عليها مئات المشاكل وآلاف المشردين مستقبلاً.. والله من وراء القصد