العنوان السابق ليس لي، إنه بعض مما قاله نتشه، والبلاهة تعني رد الفعل الغريزي، أو كما قال كونديرا: (إن البلاهة لا تعني الجهل، وإنما اللافكر الذي تنطوي عليه الأفكار الجاهزة)، هذه البلاهة أصابت المثقف العربي عموماً واليمني خصوصاً، وسأتحدث عن مثقف يمني مجازاً؛ لأنه لا يوجد مثقف في اليمن أصلاً، فالبلاهة غدت بعداً ملازماً لهذا المثقف، ولم ينفع معها العلم والتقنية والحداثة؛ فقد اتسع مجال اللافكر أمام هذا المثقف الذي حبس نفسه داخل خيمة في صنعاء أو تعز أو عدن أو غيرها من المدن اليمنية، وأصبح يرى نفسه في مرآة الكذب في صورة أكثر جمالاً، وأراد أن ينال إعجابه أكبر عدد من الناس وبأي ثمن، لذلك وجد نفسه مضطراً ليقفز من داخل مؤسسته ذهاباً إلى الخيمة، ثم عاد البعض إلى نفس الموقع، وآخر من وزير إلى مدير شركة، وآخر إلى مؤسسة أخرى، وآخرون لم يجدوا مواقع جديدة، هؤلاء لم يصححوا أخطاء، ولم يفضحوا أوهام الأيديولوجية أو حتى نقد آلياتها ولا حتى مطاردة الأوثان أو ملاحقتها، وإنما ذهبوا يتعقبون الأفكار الجاهزة، وأصبحوا أكثر محافظة من كل المحافظين، وقد وقف المفكر التونسي عبدالسلام المسدي أمام نفسه وتصدى لسؤال مهم هو: ما موقع المثقف في واقعنا العربي الجديد بعد أن ضرب الزلزال قواعد الموثوقات التي كنا نستضيء بنور هداها على مدى عقود متتاليات؟ ربما هذا السؤال أرق الأسئلة خاصة وهو ذلك المفكر الذي حط رحاله في كل العواصم العربية يناقش وظيفة المثقف وابتعاده عن العمل الحزبي، وألا ينخرط في قوافل الاعتراض المطلق ولا في حشود الولاء الموهوب، وأن يكون شعاره رفض الإقصاء مهما كانت مبرراته ورفض القمع مهما تكن مسوغاته، والسؤال الأقسى الذي وضعه المسدي على كل المثقفين: لأي المشهدين سترفع يدك للحرية مع الفوضى أم للأمن مع القهر؟ وليس الأمن أمن الجسد والمسكن والمعاش، إنما هو أمن النفوس الذي به راحة البال وسكينة القلب والطمأنينة والإحساس، وربما خلص المسدي في لحظة يأس من سلوك المثقف وانضوائه في ركب جماعات القتل وتدمير الحياة إلى أننا نحن العرب لسنا أهلاً للحرية، ومثله عبدالسلام بن عبد العالي يكتب عن شقاء المثقف بعد (الربيع)، وقد ذهب إلى أن المثقف شعر بالخيبة، وهو يقصد هنا ذلك المثقف الذي لم يتحالف مع جماعات الإسلام السياسي التي تنكرت لحوارات دامت أكثر من ثلاثين عاماً مع القوميين، وذهبت تحشد الجهاديين إلى سوريا بدلاً من فلسطين..كما كانت تزعم من قبل هذا المثقف يعيش – كما يقول – شعوراً مزدوجاً بالتمزق وشقاءً مضاعفاً، وإحساسه بأن محاولة التغيير الجذري قد نأت من بين يديه، فبعد أن كان المثقف العربي يؤصل للفكر الديمقراطي أصبح اليوم يؤصل للفكر الانقلابي وسيكون ثمن ذلك باهظاً. في منتصف التسعينيات من القرن العشرين بدأ الحديث عن الصحوة الإسلامية، وكتبت حينها مقالاً في صحيفة الميثاق عن وهم هذه الصحوة من منطلق إن الإسلام السياسي ليس جماعة واحدة ولا مذهب واحد، إضافة إلى طبيعة النشأة لهذه الجماعات وخاصة جماعة الإخوان المسلمين التي تعد الأم للسلفية الجهادية أو القاعدة أو الوهابية، كنت حينها أقرأ خارطة هذه الحركة وتقاربها مع الأنظمة وخاصة في دول الخليج العربي التي احتضنت الفارين من جماعات الإخوان سواء من سوريا أو مصر أو الجزائر أو غيرها لتستفيد منهم، ولكي تحافظ على سبب تأخرها في الالتحاق بالزمن المعاصر، وخوفها من التمدد الديمقراطي فاستخدمتهم للتحريض على مشاعر الكره وسوء الفهم كي تشغل الجماهير وتبعدهم عن قضاياهم الأهم المتمثلة بتأسيس دولة القانون والحقوق والعدالة والحريات.. وها أنا اليوم أقول كما يقول العقلاء غيري: إن جماعات الإسلام السياسي عبر تاريخها تجهض النهضة والعصرنة، وما سمي بالربيع العربي شاهد على ذلك؛ فهذه الجماعات أجهضت التغيير، وبشرت بتمديد مرحلة اللااستقرار، فقد شاهدنا بالأمس رئيس الوزراء المصري وهو يزور غزة الجريحة التي تعاني من نزيف الدم بسبب العدوان الإسرائيلي ليقول إنه جاء ليؤكد الهدنة.. ما الجديد إذن؟! لقد كان حسني مبارك خائناً وعميلاً؛ لأنه لم يدخل الحرب مع إسرائيل، فلماذا لم يدخلها مرسي؟. لقد كان الهدف هو السلطة وتغيير رأسها فقط، وعدم السماح بالمشاركة مع الآخرين، نحن نعلم أن الجماعات الإسلامية قطعت على نفسها وعوداً بتحديد حصة في السلطة لبقية القوى الأخرى، لكنها رجعت عن تلك الوعود بدون سابق إنذار، وأعتقد جازماً أن القوميين والإسلاميين قد خسروا المعركة كما خسرها المسلمون يوم أحد؛ لأن الجميع ذهبوا يبحثون عن المغانم قبل إنهاء المعركة، وسوف يقودون قتالاً عبثياً عما قريب. لقد وضحت بعض المواقف من قبل بعض رموز الإخوان المسلمين في قضايا جوهرية كقضية فلسطين واتفاقية كامب ديفيد والعلاقة مع أمريكا. وإذا أراد المثقف أن يقاوم بلاهته فليسأل نفسه: ماذا يعني الدعوة إلى تدخل أجنبي في سوريا واعتبار ساحة جهاد بدلاً من فلسطين، أما المثقف اليمني فعليه أن يستمر في الخيمة قاطعاً الطريق العام ينظر للانفصال، وصورة عبدالفتاح وعمر الجاوي وجارالله عمر فوق رأسه بصورة متناقضة. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=465964500109297&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater