مرة اخرى تعود غزة الى واجهة الأحداث من خلال تجدد العدوان الاسرائيلي على القطاع الذي بدأ قبل ايام قليلة وخلّف العديد من الشهداء والجرحى . ولاشك ان توقيت هذا العدوان على غزة له دلالات عديدة فى التوقيت والأهداف، فتوقيت بداية العدوان جاء عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية الامريكية وفوز اوباما , وقبل بداية الانتخابات الاسرائيلية , وعقب انتهاء ثورات الربيع العربي في بعض دول المنطقة وما افضت اليه من تغيير فى انظمة الحكم بهذه الدول وخاصة مصر التى تربطها بإسرائيل علاقات استراتيجية واتفاقات أمنية ومعاهدة كامب ديفد . واختيار هذا التوقيت للعدوان الاسرائيلي على غزة يدعونا الى وضع العديد من التساؤلات حول الاهداف الحقيقية التى تسعى اسرائيل الى تحقيقها من وراء هذا العدوان، فهل الهدف من العدوان القضاء على المقاومة المسلحة فى غزة، وتأمين اسرائيل من صواريخ المقاومة كما اعلنت ذلك بعض القيادات الاسرائيلية ؟ ام أن هناك اهدافاً ربما غير معلنة ولكن يمكن الاستدلال عليها من قراءة الواقع ودلالات التوقيت ، من هذه الأهداف: جس نبض الشارع العربي بعد ثورات الربيع العربي وقياس رد فعله على هذا العدوان ، لأن هذا الهدف سيعطي الاسرائيلين مؤشراً ليس فقط لمدى عمق وقسوة هجومها الحالي على غزةفلسطين، بل هو مؤشر لمدى إمكانية بقاء إسرائيل صاحبة الذراع الطولى في المنطقة العربية كلها، تفرض أجندتها وتحدد على الدوام شرعية عدوانها، دون أن تجد من يوقفها عند حدها، وفعلاً ستلاقي الدعم الصريح من الأمريكان كما لاقته الآن في إعتدائها الأخير، كونها لن تجد ما يهدد مصالحها ومصالح حليفتها، الغير مقبول أن نسمع ونعيش ما عشناه في زمن الأنظمة البالية، وأن يقتصر الموقف العربي الربيعي على الحالة التي كانت سابقه ، بمعنى الاكتفاء فقط بالرفض والإدانة والتنديد اللفظي البعيد عن الفعل الحقيقي الذي يمس المصالح . ومن الاهداف المحتملة لهذا العدوان اختبار رد الفعل المصري رسميا وشعبيا من هذا العدوان , في ظل استمرار العمل المسلح في سيناء وزيادة التوتر على الحدود المصرية الفلسطينية والمصرية الاسرائيلية وهو ما يشجع الكيان الصهيوني على القيام بعمليات عسكرية في قطاع غزة، خاصة بعد أن أعلنت السلطة المصرية مرارًا بقيادة الرئيس محمد مرسي التضامن الكامل وغير المحدود مع القطاع والدعم المادي والمعنوي لسكان غزة والعمل بجدية لكسر الحصار عن غزة , ولذلك فإسرائيل تريد معرفة كيف سيتعامل رئيس الثورة المصرية والداعم الرئيسي للفلسطينيين في أول اختبار حقيقي له، كما أن الصهاينة أيضًا يسعون إلى إرسال رسالة للجانب المصري والتنظيمات الجهادية في سيناء بأن اسرائيل متواجدة بقوة إلى جانب المسلحين للإبقاء على حالة التوتر في سيناء حتى تنشغل القيادة المصرية بقضيتها وتنفض يدها عن القضية الفلسطينية برمتها، وتتأهب اسرائيل لعمل عسكري خارجي إما لإيران أو لحزب الله، ومن الممكن أن تكون مصر في الحسبان إذا توترت الأوضاع بشكل كبير في مصر. وايا كانت اهداف اسرائيل من هذا العدوان , فإن على القيادة الاسرائيلية ان تدرك جيدا ان عجلة التغيير قد دارت بقوة فى المنطقة , وان ردود افعال الأمس ليست كردود افعال اليوم على عنجهيتها وغطرستها فى الاراضي المحتلة، فهاهي المقاومة الفلسطينية تؤكد بالفعل وصول صواريخها الى عمق تل ابيب لتثير الذعر والهلع في قلوب الصهاينة الجبناء بالفطرة ، وهاهي مصر العظيمة تؤكد ريادتها وحرصها على امن غزةوفلسطين ، من خلال رد الفعل المصري السريع الذى جاء وقت الحدث ليقدم رسالة واضحة للقيادة الصهيونية بمدى التغيير الذي حدث في مصر , وذلك من خلال طرد السفير الاسرائيلي , واستدعاء السفير المصري وفتح المعابر امام تدفق المساعدات المادية والعينية لسكان غزة . فسحب السفير ليس بالقرار الهين، لأن إعادته بعد ذلك ستكون فى غاية الصعوبة وقرارًا مكلفًا لمرسى وسياسته، فإذا كان قد أخطأ بالمسارعة فى تعيينه وإرساله مع أن الأمر كان يحتمل الانتظار شهورًا، فإن ذلك الخطأ يندرج الآن تحت قول “رب ضارة نافعة”.. فلو لم يكن قد عين سفيره فى إسرائيل، ما هى الأوراق التى كان يمكنه أن يرد بها أو يلعب عليها متجنبًا التكلفة الباهظة. وامام هذا العدوان الاسرائيلي فإن التعبير الدولي عن الإدانة والاستنكار والدعوات لضبط النفس لم يعد يجدي في الوقت الراهن لمواجهة الهجمات الإسرائيلية المتواصلة والمستمرة على القطاع فحكومات الاحتلال المتعاقبة تشن حرب استنزاف على القطاع بشكل متواصل ضمن إستراتيجية تطبقها وتسعى من خلالها إلى إبقاء قطاع غزة ضعيفا ومنهكا وجائعا ومحاصرا حتى لا يقوى ويهدد أمن الاحتلال ومستوطنيه، وإسرائيل التي تحاصر قطاع غزة منذ سنوات تسعى إلى إحراق غزة وتغيير قواعد الاشتباك وإيصال رسالة إلى العالم العربي ومصر تحديدا أن ما تصفه “بأمنها” مقدم لديها على جميع الاعتبارات في محاولة مكشوفة لجس نبض النظام الجديد في مصر واستكشاف المدى الذي يمكن أن تذهب فيه المواقف العربية تجاه عدوانها على قطاع غزة وبالتحديد مواقف دول الربيع العربي. وهو ما يستدعي ردا وموقفا عربيا حازما وحاسما مختلفا هذه المرة يتجاوز طرد السفير الاسرائيلي او استدعاء سفراء كل من مصر والأردن من اسرائيل , ردا مناسبا بمستوى الجريمة التي ارتكبتها حكومة الاحتلال، الأمر الذي سيجعلها تعيد النظر في سياساتها العدوانية ويؤكد لها أنه إذا كانت جرائمها السابقة قد مرت دون عقاب فإن الرد على جريمتها هذه المرة سيكون قاسيا ويجعلها تفكر ألف مرة قبل أن ترسل طائراتها لقتل الناس في قطاع غزة، كما أن الشارع العربي الذي ثار على القهر والاستبداد والفساد ونجح في استرداد حريته وكرامته لا يمكن أن يقبل قيام حكومة الاحتلال الإسرائيلي بقصف قطاع غزة بالطائرات والأسلحة الثقيلة وشن حرب على القطاع ولا يمكن أن يقبل استمرار ما يسمى “بالسلام” مع حكومة فقدت أخلاقياتها وتقوم بقتل الناس في شوارع غزة تحت حجة حفظ أمنها. فالربيع العربي سيفقد اسمه وقيمه الاخلاقية اذا لم تكن القدسالمحتلة بوصلته وإنهاء الاحتلال غايته ، فالمسألة اكبر من إغلاق سفارة او طرد سفير، المسألة أن كرامة أمة تهان وتذل من خلال العدوان على المرابطين من ابنائها في أرض الرباط ومهبط الأنبياء . *أستاذ التسويق المساعد / جامعة تعز رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=465967156775698&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater