من السهلِ أن نُنَظِّرَ باسم العقلانية ونتكلم كثيراً بداعي الحكمة ولكن من الصعبِ جداً أن تُقنع مظلوماً بالتخلي عن حقه تحتَ أي مبرر. سمعتُ للكثير ممن ينظرون في أمر ما يحدث الآن على أرض فلسطين المقدسة , سمعتهم يدعونَ بأن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية ليس سوى عنترياتٍ و استعراضات لا تغني ولا تُسمنُ من جوع وأنها لم تجر على الشعب الفلسطيني إلا الكثير من الويلات والثبور, وبأن عقلية المقاومة تُدار بالعقلية القبلية العربية الانتقامية الشخصية لا أكثر و أنها لا تُحسنُ قراءة العواقب وصمت آذانها عن نداءات العقل فتدفعُ بالفلسطيني إلى محرقة الكيان الصهيوني بالكثير من الغباء. تناسى أصحاب هذا الرأي السمج أرضاً محتلة و لم نسمع في تاريخ الإنسانية كله من يُعيبُ على صاحبِ الحق محاولاته في استرداد حقه . ولو قسنا الأمر بمنظور شخصي فردي بحت لعرفنا أن صاحب هذا الرأي نفسه مثله مثل أي انسان على هذه الأرض لو كان صاحب حقٍ مسلوب مهما تضاءل ما توانى للحظة عن عمل أي شيء لاسترداد ذلك الحق حتى أنهُ قد يصلُ به الأمر إلى ارتكاب الحماقات «حسب رأيهم» بالفعل الذي قد يؤدي به إلى المزيد من الخسائر. نسي هؤلاء أن قطاع غزة واقعٌ تحتَ حصار خانق مُنذُ أكثر من خمس سنوات ولو أنصفنا لقلنا منذ بدايات الاحتلال الصهيوني في منتصف القرن الماضي, غزة يا أصحاب العقول المتنورة والحكيمة «فقط في ما يخُصُ المقاومة الفلسطينية ضد اليهود» محرومة من كل أسباب الحياة الطبيعية كباقي الشعوب فهي ليس لديها سوى معبرين للتواصل مع هذا الكون الأول معبر «رفح» للدخول والخروج ومعبر«كيرم شالوم» للبضائع ولا يتم ذلكَ إلا عبر تراخيص المحتل لا غذاء و لا دواء و لا شيء من مقومات الحياة الإنسانية الطبيعية لا شيء هناك في غزة يغري الفلسطينيين بالبقاء فيها سوى أنها وطنهم المسلوب وأرضهم وهويتهم, فكاذب مدع من يتبجح بالقول بأنهم أفضلُ حالاًٍ منا . لا مستشفيات مجهزة لا صرف صحي لا مطارات , حصار لا يسمح بأي تواصل مع العالم الخارجي. وتبقى نقطة الفصل أنه لا حياة كريمة لإنسان في ظل الإحتلال , أنت مسلوب الحياة والإرادة في ظل الاحتلال , فكيف لعاقل أن يدافع عن فكرة الاستسلام للظلم و القهر بداعي التعقل وأن يدعو إلى الرضوخ لمستعمر عفن غزا أرضك و استعمرها بمجموعات مخلفة لقيطة استجمعت من كل أصقاع الأرض لتقيم محلك ولتصبحَ أنتَ بلا وطن. الفلسطينيون يا صديقي بلا وطنٍ و بلا هوية, لا يمتلكون بطائق شخصية فلسطينية ولا جوازات سفر «لا هوية للفلسطيني سوى تمسكه بأرضه حتى آخر رمق», الفلسطيني محاصر أينما حل و ارتحل موضوع تحت المجهر حتى من يحمل منهم الجواز الإسرائيلي إذا حل في أرض عربية عومل كأنه إسرائيلي بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة. الفلسطيني هنا على أرضه وفي وطنه مهددٌ في أي لحظة بتهديم منزله وتجريف أرضه لتحل محله مستوطنة نتنة ليهود جدد وعليه أن يوسع لهم الدار وينزوي في أقل مربع ممكن , السجون الإسرائيلية تعجُ بالآلاف من المعتقلين والأسرى بمن تتباكى على المدنيين اليهود وتنظر ان صاروخ المقاومة قد يُصيبُ مدنيين عزلاً ربما يكونون حسب رأيكَ مناهضين للصهيونية , تناسيت تماماً أنهم محتلون على كل حال. إسرائيل و معها من يناصرها من دول الغرب و أمريكا و التخاذل العربي لا تقبل حتى مجرد طرح فكرة أن تكون فلسطين دولة ناقصة العضوية في مجلس الأمن , إسرائيل يا صديقي تجد مناصرة من قبل أمريكا بقيادة «أوباما حسين!!» كأول بشائر ولايته الجديدة فيعلن دعمه الكامل حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد المقاومة و أوروبا تطالبها بالرد “ المتكافئ” بمعنى اضربوهم ولكن لا تقسوا عليهم , ثم تأتي أنت لتجهز عليهم بعقلانيتك التي تدعي بها أن المقاومة هي من تعرضُ الفلسطينيين للخطر بتصرفاتها الهوجاء. ما لم تقم المقاومة بما تقوم به الآن فلن تحصل على حق أبداً لن يقف معها أحد و ما تدفعه الآن أقل بكثير مما تدفعه طوال سنينها الماضية تحت الاحتلال و لك أن تراجع عدد ضحايا الحصار وكم بيت هدم وكم أسرة شردت فليس الأمر بجديد وليست صواريخ المقاومة سوى حجة واهية لتركيع الشعب الفلسطيني واستمرار سياسة التوسع الصهيوني. تصيبك الدهشة و التعجب حينَ تقرأ أو تسمع أن هذا الرأي يتبناه بعض من وضعوا أنفسهم في خانة الثوريين على أنظمتهم الحاكمة , و نسألهم كيف سمحت لنفسك يا صديقي بأن تثور تنقلب على نظام حكم في بلدك ثائراً عليه مضحياً بمئات الأراوح الطاهرة و غامرت باستقرار بلدك و أمنه واقتصاده مادامت تلك نظرتك لمن يريد أن يحرر بلده من الاحتلال , لم قامت الثورات على وجه الأرض سواء ضد الأنظمة الظالمة أو ضد المحتلين , لو أن الأمور تحسب بالشكل الذي ترتئيه أنت , فقل لي إذن: لم سميت الأوطان و لم صارت كل أرضٍ لساكنيها , ولم تغضبُ من حكامك المفسدين وتسلط المشيخ و لماذا تنزعجُ من تدخلات دول الجوار وغى الجوار في بلدك , لماذا تثور من اجل حقوقك المسلوبة؟. لقد عشنا طويلاً حتى رأينا اللوم يقع على الضحية و سمعنا دعاة التحرر و المثقفين يدافعون عن الجلاد و يعتبون على الضحية. لسنا دعاة حرب و لسنا مع الحرب و لا نريد الحرب فقط نريد للفلسطينيين أرضاً تلمهم ووطناً يحتويهم و هوية واحدة تجمعهم كسائر شعوب الأرض ليعيشوا فيها و عليها بأمن و سلام. أخيراً فلسطين هي القضية و هي وحدها مفتاح الحل , هي القضية التي لا لبس فيها والتي يجبُ أن يتفق على مناصرتها الجميع كواجبٍ إنساني على أقل تقدير. ملحوظة: لكَ أن تعود إلى تقرير الأممالمتحدة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينيةالمحتلة “خمس سنوات على الحصار: الوضع الإنساني في قطاع غزة” حزيران/ يونيو 2012 رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=466741430031604&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater