يعيش الإنسان ضمن بعدين واضحين له هما الزمان( والذي يمثله التاريخ) والمكان( والذي تمثله الجغرافيا) وكلا البعدين في تلاحم عميق فلا تاريخ بلا جغرافيا يسير مجسدا عليها، ولا جغرافيا بلا تاريخ يوثق جذور تلك البقعة ،وكل العطاءات السياسية والاجتماعية بل الجهد البشري كله يصب في هذين البعدين اللذين لا انفكاك عنهما؟! وما دام الإنسان حياً فهو يدور في نطاق هذين البعدين آخذاً ومعطياً من وإلى العطاء الإنساني إيجاباً وسلباً ، حتى إذا ما توفاه الله فإنه يغادر بعد التاريخ ليضمه بعد الجغرافيا في حفرة ضيقة لا تزيد عن عدة أمتار. وكل الجحافل الإنسانية عبر العصور تخضع لهذه القاعدة بتكرار لا يمله هذان البعدان ، فما يعطيه التاريخ تتضمنه الجغرافيا أو بشكل تجريدي ما يعطيه الزمان يتضمنه المكان وهكذا . لكن متى يحدث انفلات من هذه القاعدة؟ إن العظماء من البشر وعلى رأسهم الأنبياء عليهم السلام يتفلتون من هذه القاعدة ومثلهم الشهداء الذين نراهم يسقطون أمامنا في أماكن متفرقة من العالم ، فهم صحيح يغادرون دنيانا إلى بارئهم فنظن أنهم يغادرون بعد التاريخ ليدخلوا بعد الجغرافيا لكن في حقيقة الأمر إن الشهداء والعظماء يغادرون بعد الجغرافيا ليدخلوا بعد التاريخ الذي يحفظ أسماءهم وأعمالهم الإبداعية في سِفْر الخلود للأجيال القادمة. وتبادل الأدوار هذا بين الجغرافيا والتاريخ يضمن لهم الخلود للشهداء- الأكرم منا جميعا - فلا تظنوا أن الشهداء يسقطون أو يموتون مثل الناس العاديين بل هم يحيون مصداقاً لقوله تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (آل عمران :169 - 170 ) فالسلام على شهداء غزة والضفة وكل فلسطين. والسلام على كل شهداء الأمة أين ما (صعدوا ) إلى بارئهم يوم الشهيد كان في العراق احتفال في أول شهر ديسمبر من كل عام اسمه (يوم الشهيد ) ، وهذه ظاهرة جميلة أن نخصص يوماً معينا للشهيد لما للشهادة من قيمة عظيمة وهنا أتذكر أبيات شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري عن يوم الشهيد وهو يقول : يومَ الشَهيد : تحيةٌ وسلامُ بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخاً علمُ الحساب ، وتفخر الأرقام بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم تتعطَّرُ الأرَضونَ والأيام يومَ الشهيدِ ! لَسوف تُعقِبُ في غدٍ يوماً تَحارُ بكُنهه الأَفهام ولسوف نَجهل ما يِقلُّ بصلبه قَدَرٌ ، وما تَتَمخَّضُ الأيّام ولسوفَ يُصبحُ ما نحارُ بكُنْهه إن حانَ حِينٌ واستتم تمام حتى إذا قَذفَ الحمى بحُماتِه ورَمَت بأشبالٍ لها الآجام وتنافَسَ “ الفادون” لم يتمنَّنوا فضلاً ، ولم يُبطرْهُمُ الانعام وجدوا عتاباً للبلاد فأعتَبوا وملامةً لشبابها “ فألاموا “ ومَشوا إليها يدعَمون صفوفَها بصُدورهم ، اذ عزَّهن دِعام حَمَلوا الرصاص عَلى الصدور وأوغلوا فعلى الصدور من الدِماء وِسام يومَ الشهيد : وكلُّ يوم قادمٌ ستُريهِ كيف الجودُ والاكرام يومَ الشهيد : وما تزال كعهدِها هُوجٌ تدنِّسُ أُمةً ولئام أفلا يستحق الشهداء منا كل إعظام ؟ رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=467183439987403&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater