فوجئت ببرنامج “كلام الناس” الذي يعده ويقدمه المذيع “محمد المحمدي” في الحلقة التي قدمها في الجمعة الماضية، يدافع فيها عن القاتلة، وينصب نفسه وسيطاً لحل المشكلة ودياً بين أسرة القتيلة وأسرة المقتولة. دعوني أعزائي القراء أسرد لكم الحكاية كما سمعتها على لسان “المحمدي” و”أهل القتيلة”، وهم من الفئات المهمشة في مجتمعنا اليمني. يقول أهل القتيلة: إن ابنتهم القتيلة خرجت من منزلها (المتواضع في العشوائيات)، وذلك للعمل في خدمة البيوت عند أسرة القاتلة، ولم تعد للبيت، فبحثت عنها أسرتها حوالي يومين ولم تجدها إلا حين بلغهم قسم الشرطة القريب منهم بأن ابنتهم في الثلاجة - أي ميتة -فظنوا أنها تعرضت لحادث، ولكن حين ذهب بعض أفراد أسرتها وجدوها محترقة ومشوهة. وبعد التحري تأكد لهم بالدليل القاطع بأن القاتلة هي من عائلة غير مهمشة، أي من طبقة اجتماعية أعلى مرتبة، ومع ذلك فإن أسرة القتيلة المهمشة لم تستسلم لظروفها الصعبة، ورفعت قضيتها للمحكمة ووكلت محامياً للدفاع عن ابنتهم القتيلة ظلماً وبهتاناً. واستمرت القضية حوالي سبع سنوات في أروقة المحاكم، وخسرت أسرة القتيلة الكثير من المال والجهد وحرق الأعصاب، ولم يفرج عن قضيتها إلا بعد الثورة الشعبية الشبابية واستقرار الوضع نسبياً مع حكومة الوفاق. وصدر الحكم العادل من القضاء بالإعدام قصاصاً للقاتلة التي ارتكبت جريمة شنعاء بحق تلك المهمشة، وكما وصف الجريمة “المحمدي” قائلاً: بأنها جريمة لم يرتكبها بني صهيون. طبعاً إلى هنا الموضوع لا غبار عليه، ولكن ما تألمت له هو تسخير برنامج في قناة اليمن الفضائية، وهي قناة عامة تمثل الشعب ككل، لجهة معينة؛ حيث بدأ المذيع “المحمدي” وكأنه يريد أن يبطل حكم القضاء، ويعيدنا إلى حكم القبيلة والعشيرة، ويضرب ببذور الدولة المدنية عرض الحائط. يتجه “المحمدي” في برنامجه مع الوسطاء من القبائل المناصرة للقاتلة لحل الموضوع عن طريق ما يسمى بالعرف القبلي “الهجيم”، وهو عبارة عن ثور يتم ذبحه إرضاء للطرف المتضرر، وكنوع من الاعتذار العلني، والإقرار بالذنب. يرفض أهل القتيلة التنازل عن حقهم الشرعي السن بالسن، ويضطر “المحمدي” إلى إبلاغ الوسطاء بأن يأخذوا ثورهم، ويرحلوا. والغريب في الأمر أن القاتلة التي تقبع في السجن رفضت مقابلة “المحمدي”، وشريط الأخبار في البرنامج يؤكد بأنها ستعدم في أية لحظة، ويحاول “المحمدي” أن يستعطف ويحرج أهل القتيلة بكل الوسائل المتاحة؛ مستخدماً الدين والعرف القبلي بمحاولة إلقاء الجنبية على الأرض وما إلى ذلك. ولعل ما حز في نفسي حين دخل إلى بيوتهم المتواضعة جداً، ثم توجه معهم لبيت أحد المشايخ لمحاولة انتزاع العفو من قبل أهل القتيلة، وعرض عليهم عن طريق الوسطاء مبلغاً يتجاوز الستة ملايين ريال تقسم عليهم كدية للقتيلة. ولعل ما هدأ من روعي قليلاً هو عدم قبول أهل القتيلة، رغم فقرهم وحاجتهم الملحة للمال بالدية، وصمموا على تفعيل حكم القضاء، حين قال أخو القتيلة: لن نقبل بالتنازل عن الحكم ولو ملكونا صنعاء كلها. لقد سجل هؤلاء المهمشون موقفاً مشرفاً للتاريخ، في حين سجلت الفضائية اليمنية موقفاً مخزياً ومتحيزاً لصالح القتلة وأصحاب النفوذ. فكيف يتجرأ “المحمدي” - رغم عدم قبول المهمشين للصلح - أن يترك لهم مهلة ليراجعوا أنفسهم. أخشى أن تكون المهلة فيها تهديد أو ترغيب وضغط شديد على أسرة القتيلة كي يتنازلوا ويقبلوا صاغرين بالدية، فقضيتهم هذه ليست قضية فردية محدودة الأثر، إنها قضية كل المهمشين في الوطن. لذلك أدعوكم وأناشدكم أعزائي القراء لمشاهدة برنامج “كلام الناس المباشر”، والذي عرض في الفضائية اليمنية يوم الجمعة الماضية الموافق 23 نوفمبر الماضي، من موقع القناة في النت لتحكموا بأنفسكم، وليشكل كل الخيرين رأياً عاماً لمناصرة أسرة القتيلة ومساعدتها معنوياً ومادياً دون شروط. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك