ترددت كثيراً في الكتابة عن هذا الموضوع القديم – الجديد والذي استهلك بحثاً وكتابة وتحليلاً دون الوصول لحل جذري ونهائي له، بل على العكس يزداد تطوراً وتتعدد أساليبه وطرقة وأشكاله. ففي بلادنا الحبيبة تعاني المرأة من مشكلات مزمنة متنوعة كلها تنتج العنف ضد المجتمع عامة والمرأة على وجه الخصوص؛ فهناك العنف المادي والذي يتمثل بالضرب والاعتداء الجسدي المباشر، وهناك عنف معنوي أكثر تأثيراً وأشد إيلاماً من العنف المادي يتمثل في إهانة كرامة الأنثى والتقليل من شأنها. فلو تأملنا ما تتعرض له المرأة في بلادنا من تحرش جنسي في أماكن العمل والدراسة على وجه الخصوص سنلاحظ بأن هناك نوعاً من العنف يمارس على الفتيات بالذات، من خلال محاولة مساعدتهن، وتقديم الخدمات العديدة لهن، والتعامل معهن برفق، وكلام معسول، وإغرائهن بالمناصب العليا أو بالمال أو بالسفريات أو بنجاحهن بالغش. وتقع الكثير من الفتيات ضحية لهذا العنف الناعم من قبل الرجال الذين يمتلكون المال والجاه والمنصب المرموق، ويؤدي هذا العنف الناعم الذي مارسه ومازال يمارسه الكثير من الرجال بصورة مغلفة إلى بروز فتيات فجأة وتوليهن مناصب ومسؤوليات تفوق في كثير من الأحيان قدراتهن المتواضعة. فحين تستدرج بعض الشابات من قبل بعض الرجال عديمي الضمير باسم الخوف على المرأة والتعاون معها، وحمايتها من الذئاب البشرية تقع بعض تلك الفتيات في الشرك، ولا تنجو منهن سوى القلائل. وما يزيد الطين بلة حين يتم توظيف الدين توظيفاً ممنهجاً الظاهر منه حماية المرأة من الغواية والضياع، والباطن هو السعي لتشويه صورة الفتيات وخاصة المتعلمات في أذهان الشباب وفي المجتمع ككل. فكم من مرة وأنا ذاهبة للجامعة أستمع في الباص للتسجيل الذي يحكي فيه المتحدث عن قصة فتاة أوصلها أهلها إلى بوابة الجامعة، وحين تركوها كان هناك شاب في انتظارها كما تزعم القصة، فطلعت معه، ولم تدخل الجامعة، وقالت لصديقتها أيضاً: إذا سألها أهلها تقول لهم بأنها كانت في الجامعة. ويستشهد الراوي بآيات قرآنية وأحاديث نبوية ولكنه لا يذكر السورة التي تقول: «الزانية والزاني...»، وكانت الإساءة والتشنيع كله بطالبات الجامعة، وكأنهن جميعهن يوصلهن أهاليهن للجامعات، بينما واقع الحال في بلادي أن الغالبية العظمى من فتيات الجامعة يستقلن المواصلات العامة وفي أحسن الأحوال قلة منهن يستأجرن تاكسي، وربما قلة قليلة جداً يوصلهن أهاليهن. أي عنف هذا الذي يمارس ضد المرأة في بلادي؟، ولعل الآمر أنني استفزت من تكرار مثل تلك الإساءات لطالبات الجامعة؛ باعتبارهن بناتي، فقلت لسائق الباص بعصبية: اغلق هذا الوغد الذي يسيء للطالبات، فرد أحد الشباب الذي يجلس خلفي ببرود شديد: هناك فتيات كثيرات يطبقن ما ذكره الشيخ في التسجيل. قلت له باستنكار بالغ: وفرضاً لو قلنا إن هناك بعضاً من الطالبات منحرفات، ألم ينحرفن مع طلاب؟ ولماذا تركزوا على المرأة وكأنها أساس المشكلة وتتجاهلون الرجل؟. فرد على الفور قائلاً بثقة بالغة: القرآن قال: الزانية في الأول بمعنى أن المرأة هي السبب، نظرت إليه بحسرة وقلت في نفسي الأمر ليس بالهين، فهؤلاء الشباب الذين يمارسون عنفاً ناعماً ضد النساء تارة باسم الحرية والمساواة من خلال استدراجهن لما يسمى بالزواج العرفي (السري)، وتارة أخرى باسم الدين بحسب تفسيرهم الذكوري. فمتى سيتم التعامل مع المرأة كإنسانة لها حقوق، وهل سيتمكن المؤتمر الوطني الأول لحقوق الإنسان أن ينصف المرأة، ويصيغ استراتيجية إعلامية تدعم قضايا النساء، ليس كقضايا منعزلة عن السياق المجتمعي، ولكن كقضايا داخلة في صلب قضايا المجتمع. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك