لن أكتب عن مخاوفي من نتائج الحوار الوطني. لن أكتب عن مخاوفي من عدم انعقاد الحوار الوطني. لن أكتب عن انسحاب باعتباره موقفاً, ولا عن سلبية باعتبارها نزاهة, ولا عن وقاحة باعتبارها شفافية, ولا عن عمامة باعتبارها وطنًا, ولا عن قنبلة باعتبارها حقوقًا, ولا عن تصريح مطااااطي باعتباره سياسة. لن أكتب أنني أناصر الفيدرالية التي لا تقوم على فكرة تقاسم النفوذ, ولا رسم كعكة المستقبل, ولا أنني ضد فيدرالية الإقليمين النابعة عن ضعف احتواء القضايا الوطنية, والهروب منها إلى صراعات بشاكلة حلول قائمة على قناع المناطقية هنا, أو السلالية هناك, أو الوطن المجتزأ برؤية غامضة في رأس آخر. لن أكتب عن قول البردوني قبل عقدين بأن شمال الشمال موضوع ضمن الخارطة القادمة, ولا عن خوفه من مصير ربيع تفتحت وروده قسرا في فصل الشتاء. لن أكتب عن حوار بين أطراف لا تلتقي مصالحها على الطاولة, ولا تتقاطع مع مصالح الوطن في أي نقطة, وكل منهم يتأهب لتمهيد أرضية صراع مصالحه مع الآخر لتتحول إلى ساحة دفن بلا إحداثيات, لا كواتم صوت لنواياها, ولا شوكولاتة لنكهة استثمارها. لن أكتب لبعض المتحاورين أن يكبروا بحجم هموم الوطن, فقد شوهت ألسنتهم هذه الوصفة الصادقة على نطاق فضائي. لن أكتب عن عقل يخون صاحبه كلما رأى محاوره في الكرسي المقابل, ولا عن عقلين رشيدين يحاولان تثبيت الطاولة فتستنزفهما أخلاقيات (المناضلين). لن أكتب عن وسامة حكومة الوفاق أمام مشهد الكمائن المنصوبة لبلع أبنائنا في كل درب. لن أكتب أن من يضع يده على الزناد يصعب عليه مسك القلم بنفس الكف, والتفكير بدون تصويب فوهة ما باتجاه غير طائش. لن أكتب عن الخواء الوطني الذي ملأته شوائب الذات, وعلاقات البنكنوت, وسطوة الإعلام, وشهوة الصدارة. لن أكتب عن حوار مولود بعدة عمليات قيصرية قد تودي بحياة الجنين والأم معاً, لأن القابلات يردن أجرهن مباشرة من جسده الجريح. لن أكتب عن الأقلام المفخخة,أو الأنابيب المصابة بجلطات العبث, مع كل خطوة للأمام, ولا عن بحر يبتلع أسماكه كلما غاصت في أعماق قلبه, ليعلي إلى سطحه قشور الكائنات, وقطع الفلين المعطوبة. سأكتب فقط أنني أرجو أن تتأجل المواليد المشوهة, عل رحماً رحيماً بها يرمم أجنتها ويفاجئنا بغد قابل للحياة والتعايش. سأفسر النوايا وأحاكمها كديكتاتور, لأنها تمسني, ووطني, وأبنائي. هنا فقط سأكتب وأشعر بأن قلمي كائناً مني, وأن لي حق الحياة كمواطن. رابط المقال على الفيس بوك