لا أبالغ إن قلت بأن غالبية الشعب اليمني يضع يده على صدره تخوفاً على الثورة, وأن أهدافها لن تتحقق في هكذا وضع يريده البعض أن يستمر لينطبق القول: كأنك يا أبو زيد ما غزيت, وكأننا لم ننشد التغيير ولم نسع إليه, ولم نقدم الشهداء والجرحى والتضحيات.. ويحضر الخوف أكثر والأصابع مازالت على الزناد وبؤر العنف والاقتتال, لما تجد من يردمها إلى الآن ويواري سوأتها.. فهيكلة الجيش أو البداية الفعلية فيه لا ترى على الواقع, حياة الناس على كف عفريت, عجلة التغيير متوقفة أو بالأحرى معطوبة في محافظة كتعز مثلاً, فالمتحكمون بمصير هذه المدينة التي كانت فاتحة الثورة واستهلالتها البديعة في الربيع اليمني المتميز, هم المتحكمون بها إلى اللحظة, ناهيك عن عتاولة الفساد وأمراء الحرب الآثمة, مازالوا يتربعون على كراسيهم المتربصة بأمن وأمان هذه المدينة الحالمة بالحياة المدنية, الجاثمون على صدرها كليل يأبى أن ينجلي.. ويتطور الخوف ويغدو كابوساً والوطن يترقب مؤتمر الحوار يضع أمامه كل مشكلاته, راسماً أهدافه وطموحاته وأحلامه, كيف هي الحياة بعد الحوار؟ وهناك تجارب تحضر كلما ذكرنا طاولات الحوار, وما طاولة الفرقاء في الجنوب قبل 90م عنا ببعيد, ومثلها طاولة فرقاء ما بعد الوحدة صيف 94م الساخن من حرب مشؤومة مازالت ويلاتها إلى اللحظة وبالاً وناراً واحتراقاً على الجسد اليمني الواحد.. فواقع الحل يقدم نفسه بخطابات مأزومة تحمل تهديدات مغلفة بالرقة واللهفة على الوطن, وهي لا تريد إلا مصالحها, وتنادي بحقوق هي أقرب للأسطورة والخرافة من الواقع الذي لا بد أن نحياه اليوم, وتحياه الأجيال القادمة, بعيداً عن الدماء النقية والأخرى غير النقية, كما يصور ذلك خطاب الحوثي الأخير, وتأكيده الوصاية وإعادة الحق لأهله قاصداً سلالة الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وهو لا يقصد إلا نواياه الخبيثة, واستعباد هذا الشعب من جديد ناسياً أو متناسياً أنّا قد رفضنا الذل والخنوع, وانه لا استعداد لدينا لأن نكون رهائن في سجونه وقلاعه, كما كان آباؤنا وأجدادنا في سجون أسلافه العظام في الوحشية والتجهيل والقمع والطغيان.. فمثل هذه الخطابات وغيرها من التصريحات من سياسيين ومعارضين للحوار وأهدافه وقيمه لا نرى فيها إلا الاستنفار وإعلان الحرب قبل بدء الحوار ضد طموحات هذا الشعب وأحلامه المشروعة, وأن هناك نوايا مبيتة لعدم القبول بما يفضي إليه الحوار لأنه ربما قد لا يلبي رغباتهم ومشاريعهم التجزئيية القائمة على التقاسم والتحاصص والاحتكام لآراء قضت عليها ثورات متعاقبة قام بها الشعب اليمني.. فعلينا أولاً الاعتراف بهذا الواقع المتشظي المتطاير ألماً وحزناً على قلوب اليمنيين, المكتوب عليهم اليوم أن يبكوا ويتباكوا كما يرى السيد, ممزقين ملابسهم وشعر رؤؤسهم المملؤة هموماً, كأنهم هم من قتلوا الحسين, وكانوا من أصحاب كربلاء, لا من أصحاب الويلات والبلاء, الذي وضعتهم فيه سياسات نظام المخلوع, فكانت هذه هي النهاية غير المرغوب أن نعيش تفاصيلها غير السعيدة لنا جميعاً, في بلاد نرجو أن تكون سعيدة في قادم الأيام.. أقول هذا الكلام ونحن مقبلون على يوم عاشوراء, فسنسمع حينها خطابات يشيب لها الوليد, ويضيع لهول وقعها الشجاع والغر البليد.. وتضيع نداءات المواطن البسيط بين شد وجذب, لا ننتهي منها, إلا إذا حكمنا عقولنا وعرفنا ما يراد أن نصير إليه, ففي الوقت متسع والقضية مازالت في بداياتها, فقد نستطيع تدارك ذلك, فالكارثة إن تنبهنا لذلك في الوقت الضائع فلا نعرف حينها من بكى ممن تباكى.. فلا نبكي حينها إلا على خيباتنا كمن يبكي لبنه المسكوب.. فالخطابات التي ننشدها والتصريحات التي نخطب ودها, ونريد منها أن تتصدر المشهد السياسي, هي التي تعمل على ترسيخ قيم الحب والتصالح, الالتقاء لا التباعد, التسامح لا العنف والكراهية, الالتفاف حول ما اتفق عليه والتحاور حول ما اختلف فيه.. وهي الخطابات, التي تطغى عليها مفردات العيش المشترك والمصير الواحد والإخاء والمواطنة والمصالح المشتركة, لا نريد أن نحيا حياة الغاب, ضاربين بكل مصطلحات التمدن والثورية والتغيير عرض الحائط, نريد القانون والعدالة الاجتماعية بحاجة أكثر لمن يرسخ كل ذلك في لقاءاته وخطاباته وتصريحاته في أفعاله قبل أقواله, لا نريد أن تتغلب في سماوات إعلامنا المفتوحة وغير المفتوحة العصبية والتمذهب والقبلية والجهوية والاحتراب بالكلمات الذي انهك من قوانا كثيراً.. نتمنى ذلك!. رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=465197500185997&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater