مسيرة الحياة لابد أن تستمر وقطار التغيير لا بد أن يصل إلى محطته الأخيرة وتداعيات الثورة مازالت مستمرة وحركتها دؤوبة وحثيثة, تغذ الخطى نحو يمن جديد, لا يجنح للتعبوية والتجييش والانقسام والتشرذم, يريد الحوار منهجاً وعلاجاً ناجعاً لكل علاته وأمراضه, يرنو بعين حالمة للمواطنة, التي تعني المساواة في الحقوق والواجبات.. مواطنة يحس بها المواطن العادي في كل شبر على هذه الأرض, يعيشها فيعمل على بناء الوطن وتقدمه, بعد أن كان ساكناً يعاني مصيره وحيداً, ينتظر الموت بالطريقة التي يختارها أمراء الحرب وجنرالات الفيد وأصحاب المصالح الشخصية الضيقة.. فمن المعروف أن أهم وصفة لصد المؤامرات وإفشال مخططات الطامعين، هي الدعوة للحوار وفق الوحدة الوطنية والعمل على تكريسها على أرض الواقع، و السعي لترسيخها في أفئدة الجماهير. وهو الحوار الذي يجب أن يتم بعد خطوات عملية فيها التمهيد والإعداد والتحضير الجاد له كبدايات واضحة كهيكلة الجيش, وغيرها من الخطوات, التي لا بد أن يكون لها الحضور لنجاح هذا الحدث, الذي سيكون فارقاً في حياة اليمنيين, فالوقائع والأحداث, وما يعتمل اليوم على الأرض, وما يحاك ويدبر, يجعلنا نتنبه أن هناك من يعمل وبإصرار لمنع إقامة الحوار بإعادة إنتاج التخلف وبطرق جديدة, تغيب المواطنة ومصطلحات التعايش والمصالح المشتركة, فهناك مشاريع بدت كأنها لا تطبخ على نار هادئة لعجلتها وتخبطها في الشمال والجنوب, مستفيدة من تؤاطؤ بعض القوى, التي لا تريد التغيير ولا الحوار واللقاء حول القواسم المشتركة, ومن تلك التي لم تؤمن بعد بمبادئ الثورة وقيمها النبيلة, وقد غدت متخشبة ومتصلِّبة، محدودة الأفق، حيث كلُّ تجديد وسؤال هو إثم يستحق العقاب والتصفية والإقصاء، تتبنى فكراً مشوهاً، وحيد الجانب, لا إيمان بالآخر ولا بمشاريعه وطموحاته, تأنف الحوار والجلوس على طاولة واحدة, يلتئم فيها كل الفرقاء والسياسيين.. مما يجعل من البعض يتساءل وبعفوية عن أي واقع نحياه وأي مستقبل نريده؟ ونحن مازلنا نرزح تحت صنوف من القهر والتعذيب الممنهج, نعيش خوفاً مشوباً بالحذر وبالقلق المتزايد على بلد, طغت على ثقافته التقاليد البالية, وغدا فيه الحاضر مشغولاً بالماضي, والمستقبل أسيراً لحاضرٍ كسيفٍ وأسير لدى قوى متخلفة, أرادت منا أن نعيش العبودية والرق الجديدين, متناسين بأن الشعب قد ثار عليهم, ينشد النهوض والبناء والتقدم.. فالحوار إرادة حياة والتقدم بناء وأمل لهذه الجموع التي اكتوت بنيران السياسات العفنة, التي مازالت تستهوي عواطف الناس, مغيبة لعقولهم وتفكيرهم, مؤججة لنيران الفتن, سابحة في مستنقعات الصدام والشك, وفق ثقافة تقوم على النرجسية، ورفض الآخر، والانغلاق، والارتداد إلى السلف، القريب أو البعيد, تنتهج الإقصاء وثقافة العنف، تغلق العقل وتحبط كل محاولة للتنمية, ونية خالصة للحوار المثمر والبناء, إذ ترفض العقلانية بحثًا واجتهادًا ونقاشًا, تدور حول التعصب الانفعالي، في محاولة لإجبار الآخر على الخضوع. والاستسلام لمشاريعها الضيقة, مع تراجُع مخيف للثقافة المضادة، القائمة على الحوار والانفتاح الفكري والحضاري.. فهناك من يلعب على وتر حساس هو وتر الطائفية والمذهبية الورقة, التي يعتمد عليها لتحقيق هدفه الاستراتيجي في جعل الأفق أكثر انسداداً فتتعثر كل فرصة للحوار. إذ ليس هناك شيء يمكن أن يسهم في تسهيل المؤامرات ومخططات الطامعين، أكثر من طغيان أجواء التحريض والكراهية وعدم الثقة، والتي نراها تنصب على الكثير ممن شاركوا في التغيير وممن انضموا والتحقوا في ركابه؛ لأن كل ذلك يؤدي إلى تهديد الاستقرار وتمزيق الجبهة الداخلية, وتشتيت كل الجهود, التي تتبنى الخطوط العريضة لمستقبل أكثر أمناً واستقراراً, فالحوار قطعٌ لكل الطرق التي تريد جرنا إلى كوارث لا يُحمد عقباها, والتي تريد من بلادنا مستنقعاً آسناً للدمار والخراب والفوضى.. وبؤرة للصراع القديم الحديث القائم على التمذهب والتمزق والاحتراب وإيجاد صيغ جديدة للفتن والقلاقل.. إنها الفرصة السانحة للتواضع وإيجاد مساحة للحب والتعايش في الحوار المزمع إقامته قريباً, لتشبيك الجهود والنوايا لحماية وطن, ينتظر منا الكثير في سبيل تقدمه وبنائه ونهوضه..