يحتفل الوطن غداً بالذكرى ال49 للثورة السبتمبرية الخالدة، هذه الثورة التي أحدثت نقطة التحول في حياة اليمنيين في رحاب نظام الحكم الجمهوري الذي قضى على النظام الإمامي البائد ويدرك من عاش في ذلكم العهد البائد ويعيش اليوم في ظل النظام الجمهوري حجم التحولات المشهودة والنقلات النوعية التي تحققت للوطن على مدى 49 عاماً من عمر الثورة هذه التحولات كانت ثمرة من ثمار الثورة التي جاءت منطلقة من إرادة الشعب اليمني الذي انتفض من أجل الخلاص من الملكية الانعزالية والتحول نحو النظام الجمهوري فبعد سلسلة من التضحيات والعمل النضالي تُوجت كل هذه الجهود بإعلان قيام الجمهورية انتصار إرادة الشعب في 26 سبتمبر 1962م. هذا الانتصار الوطني الذي يتزامن احتفالنا اليوم بذكراه ال49 في الوقت الذي تشهد البلاد أزمة سياسية خانقة لم يسبق لها مثيل يطلق عليها البعض مسمى الثورة الشبابية السلمية والتي تم إضافة الشعبية عليها في وقت لاحق، والمشكلة اليوم ان هذه الثورة ليست من أجل الوطن ولكنها من أجل تحقيق أهداف ومصالح وغايات سياسية وحزبية وحتى شخصية، فالشباب الذين خرجوا في بداية الأمر كانت لديهم مطالب حقوقية ووطنية مشروعة ولكن قوى المعارضة ومعها العناصر القبلية المعارضة ذات التوجه الانقلابي سحبت البساط من تحت أقدام الشباب وبدت هي صاحبة الثورة وهي مالكتها والمتحكمة في كل قراراتها وتوجهاتها بعد ان أوهمت هذه القوى والعناصر الانقلابية الشباب بأنهم لا يريدون أي مكاسب ولا مناصب وان وجودهم إلى جوارهم ما هو إلا لأجل دعمهم ومؤازرتهم والشد من أزرهم والأخذ بأيديهم نحو تحقيق أهدافهم وكذا توفير الحماية لهم ولكن أفعالهم فضحتهم وأظهرت نواياهم المبيتة فهم ينظرون إلى الشباب على انهم مجرد (كمبارس) أو مجرد جسر يتسلقون عليه من أجل الوصول إلى السلطة عبر المشاريع الانقلابية فها هو محسن الأحمر يخلع بزته العسكرية ويرتدي بزته المدنية ويلقي الخطاب بمناسبة عيد الوحدة المباركة وبعدها عيد الفطر المبارك وكأنه يريد ان يقول للجميع: أنا هو الرئيس القادم لقد نزعت البدلة العسكرية واستبدلتها بأخرى مدنية وهو الذي قال: بأنه سيعتزل العمل السياسي فور إسقاط النظام ونجاح الثورة الشبابية على حد تعبيره وهاهو حميد الأحمر يشكل المجلس الوطني الانتقالي على هواه ولم يُعر ساحات الاعتصام أي اهتمام وفي تصريحات صحفية لم يتردد في الحديث عن استعداده للرئاسة في حال تم الطلب منه ذلك وهو الذي قال بأنه لا يرغب في السلطة وليس له أي مصالح شخصية من وراء دعمه ومساندته للثورة الشبابية وليته اكتفى بذلك ولكنه اغرق في غيه وغطرسته وغروره عندما نصب نفسه وصياً على اليمنيين ومتحدثاً باسمهم وهو يطالب أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني الذي وصل اليمن من أجل تهدئة الأوضاع ووقف إطلاق النار والدفع بأطراف الأزمة السياسية باتجاه الحوار الوطني للخروج من الأزمة على ضوء المبادرة الخليجية بأن يغادر اليمن فوراً في تصرف وسلوك همجي لا يتماشى مع قيم وأخلاق أبناء مجتمعنا اليمني الكريم المضياف فأي عقلية يمتلكها هذا الحالم بالزعامة والرئاسة وأي ثورة هذه التي تجعل من هذه الاشكال قادة ورموزاً لها وأي ثورة تدعي انها قامت ضد الفساد والمفسدين وإذا بها تستقوي برموز الفساد والافساد في البلاد وتجعل منهم اتقياء، وانقياء وأصفياء، أي ثورة هذه التي تقم على تعطيل الحياة العامة وإقلاق الأمن والسكينة في أوساط المجتمع وتعطيل الدراسة في المدارس والجامعات الحكومية وقطع الطرقات وإغلاق الشوارع وتدمير المنشآت والمشاريع الخدمية، أي ثورة مكوناتها الثورية ماتزال عاجزة عن توحيد كلمتها وتجميع طاقاتها من أجل تحقيق أهدافها، فكل مكون منها لديه أهداف وأجندة خاصة به وكل واحد منهم يتربص بالآخر ويخطط للاقصاء والاستبعاد له مستقبلاً، أي ثورة مضى على اندلاعها أكثر من عشرة أشهر ولم يجنِ منها الوطن والشعب سوى الأزمات والمنغصات وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين أي ثورة يراها غالبية أبناء الشعب انها مجرد أزمة سياسية؟. من المؤسف جداً ان يتم وأد المطالب الوطنية الصادقة التي خرج بها الشباب الطاهر الذي يدين بالولاء لله وللوطن وهي مطالب عادلة ومشروعة وفي مقدمتها إسقاط كل مشاريع التوريث للسلطة والوظيفة العامة وإقامة نظام حكم برلماني واعتماد نظام القائمة النسبية وتعزيز استقلال وحيادية القضاء والمال العام ووسائل الإعلام الرسمية وإعادة النظر في قانون الانتخابات ومحاربة الفساد والقضاء على مظاهر الاختلالات في مختلف قطاعات الدولة وإقامة دولة مدنية قائمة على النظام المؤسسي ومحاربة كافة مظاهر الاستنزاف للثروة وترشيد الانفاق ودعم الاقتصاد وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين والحد من الفقر والبطالة وخلق فرص واعدة للاستثمار وتحسين نوعية مخرجات التعليم العام والجامعي والاهتمام بالكوادر الوطنية المبرزة ودعمها وتشجيعها على المزيد من الإبداع والتميز وغيرها من المطالب والطموحات المشروعة، فأين هذه المطالب من الممارسات التي يقوم بها أصحاب المشاريع الانقلابية والمصالح الحزبية والسياسية والشخصية؟. علي محسن يريد السلطة ويريد الحفاظ على مصالحه وحماية ثروته ومشاريعه الاستثمارية التي أسسها من ثروات الشعب المغلوب على أمره وهو يريد المزيد من الجاه والسلطة وهو يريد ان لم يرشح نفسه للرئاسة أو يفرض نفسه بالقوة رئيساً ولو بصورة مؤقتة أن يكون هو من يقوم باختيار وتزكية الرئيس القادم لليمن، وحميد الأحمر هو الآخر يُفكر بنفس عقلية علي محسن وإن اختلف معه في الوسائل والطرق التي من خلالها بإمكانه الوصول إلى مايخطط له ويسعى لتحقيقه، والأمر ذاته ينطبق على أولئك المفلسين الذين نهبوا البلاد والعباد وعاثوا في الوطن الفساد وأعلنوا انشقاقهم عن السلطة الحاكمة ظناً منهم أن اليمن في طريقها إلى نهاية مماثلة لما حصل في مصر فأرادوا أن يضمنوا لأنفسهم مواقع في السلطة القادمة وهؤلاء سواء كانوا وزراء، أو سفراء أو رؤساء مؤسسات، أو قيادات مدنية، أو عسكرية غالبيتهم من فئة فاسدين مع سبق الإصرار والترصد ، الفساد يجري في عروقهم مجرى الدم تاريخهم الإفسادي يشهد على ذلك، فأين هؤلاء أدعياء الثورة والوطنية مما كان عليه أوضاع قادة وأبطال الثورة السبتمبرية الخالدة؟، الفرق شاسع لا محالة، مناضلو ثورة سبتمبر وأكتوبر قدموا تضحيات غالية من أجل الانتصار، تقدموا الصفوف في جبهات القتال والمواجهة أما مناضلو اليوم فقد غادروا البلاد وأفراد أسرهم وبات نضالهم يقتصر على تحريض الشباب والدفع بهم إلى المحرقة وإزالة الصعاب والعراقيل من خط سيرهم الموصول إلى السلطة. ألا ترون معي أن مايحصل في اليمن أزمة وليست ثورة وعلى قوى المعارضة ومن تحالف معها الابتعاد عن المزايدة وتأجيج الفتن وتحريض الشباب وتعبئتهم تعبئة تحريضية خاطئة، وألا ترون أن هذه الأزمة تحتاج إلى حوار وطني من أجل الخروج منها ولا تحتاج إلى تصعيد وتأزيم وتأجيج ودموية وحسم ثوري؟، ألا ترون معي أن الضحايا الذين يسقطون نتيجة هذه التعبئة الخاطئة كان بالإمكان أن توظف لخدمة الوطن والعمل على رقيه وتقدمه وتطوره؟، لا أحد يُحبذ أن تُزهق الأرواح وتُسفك الدماء إلا أولئك النفر من العناصر الانقلابية التي تسعى للانقلاب على السلطة والوصول إلى الحكم عبر أنهار من الدماء اليمنية الطاهرة والنقية، نحن ضد استخدام العنف وضد النزعة الدموية ونحن ضد المشاريع الانقلابية التي يسعى البعض لتنفيذها في يمننا الحبيب، نحن مع الحوار وتغليب المصلحة الوطنية على مادونها من المصالح وتحكيم شريعة الله وتغليب صوت العقل والحكمة على أصوات البنادق والمدافع، نحن مع التغيير عبر صناديق الاقتراع وعبر إرادة الشعب. عاد الرئيس وآمل أن يتعامل فرقاء العمل السياسي مع عودته بحكمة وتعقل انطلاقاً من الحرص على المصلحة الوطنية بالشروع بالعودة إلى طاولة الحوار وتهيئة الأجواء من أجل الانتقال السلمي للسلطة، لانريد أي مواقف أو تصريحات استفزازية من أي طرف كان لانريد أي حماقات سياسية يدفع الوطن ثمنها لاحقاً، الرئيس عاد بعد رحلة علاجية وأعلن بأنه ليس لدية أي رغبة انتقامية من أحد وقال بأنه عاد وهو يحمل غصن الزيتون وينشد السلام والأمن والاستقرار في ربوع وطننا الحبيب، دعا كافة الأطراف إلى هدنة ووقف إطلاق النار وحث على التسامح والعمل على تهيئة كافة الأجواء من أجل التوصل إلى توافق وطني، وينبغي أن تُقابل هذه التصريحات بتعقل بعيداً عن لغة التهديد والوعيد فهي لاتجدي نفعاً على الإطلاق وليست في مصلحة أحد لانُريد أن نُزيد من التوتر ونرفع من حصيلة حصاد الأرواح ونزيف الدماء وتأزيم الأوضاع، والوطن لم يعد يحتمل كل ذلك، حذارِ حذارِ من التصريحات والممارسات الاستفزازية التي تقود إلى ردود أفعال قوية وعنيفة للمواجهة . نريد انتقالاً سلمياً للسلطة على ضوء المبادرة الخليجية، لانُريد حرباً أهلية ولا مواجهات دموية، نريد أن تظهر الحكمة اليمانية لتجنيب البلاد المصير المشئوم. حفظ الله اليمن واليمنيين وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار ولا عاش أعداء اليمن. [email protected]