مع اشتداد حمى الأزمة السياسية الراهنة ووسط تداعياتها المؤسفة التي ألحقت بالغ الضرر بالوطن والمواطنين، وعلى ضوء المعطيات الراهنة فإن الحل الناجع لإخراج البلاد من هذه الأزمات وتجاوز هذه الأوضاع هو الدخول في حوار وطني جاد ومسؤول، يتم خلاله مناقشة مجمل القضايا والبحث في رؤى وأطروحات ومقترحات ومطالب كل القوى السياسية بتجرد تام، والعمل على الأخذ بما يصب في جانب المصلحة الوطنية وتجاوز ما دون ذلك، فالحوار هو المخرج؛ لأن التركيبة السياسية اليمنية بالغة التعقيد، ولا يمكن مقارنتها بالحالتين التونسية والمصرية، فالحالة اليمنية مختلفة تماماً إذ لاتزال السلطة الحاكمة تتمتع بالأغلبية ولايزال لديها أنصارها في عموم محافظات الجمهورية ولاتزال هذه السلطة تمارس مهامها وفق الدستور وعلى ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، وهذه حقيقة لا نقولها نفاقاً ولا تزلفاً، إنها الحقيقة التي تدركها قوى المعارضة وتحاول تمييعها وتحريفها في إطار الصراع على السلطة وتحقيق المكاسب السياسية على أرض الواقع، فمن المؤسف أن هذه القوى دائماً ما تحاول التقليل من حجم القاعدة الجماهيرية التي تمتلكها السلطة الحاكمة ولا تتردد في نعتهم بمسميات عديدة في إطار الحرب الإعلامية المتبادلة على هامش الأزمة السياسية الراهنة، حيث تصفهم ببلاطجة النظام والمرتزقة وبقايا النظام، وغيرها من المسميات الاستفزازية التي أسهمت في تلاحم وتماسك هذه القاعدة الجماهيرية المؤيدة والمناصرة للسلطة وزادتهم ثباتاً وإصراراً على دعم ومساندة السلطة والشرعية الدستورية والوقوف في وجه المعارضة والقوى المتحالفة معها، في الوقت الذي نقرأ فيه أخباراً تتناولها الصحف الموالية للمعارضة تقول فيها إنها تمتلك الأغلبية وإنها تمثل غالبية الشعب وإن الشعب يُريد إسقاط النظام وتذهب إلى أن 6 ملايين يمني فقط احتشدوا في مختلف ساحات الاعتصام في عموم المحافظات الجمعة الماضية وهو رقم كبير جداً ومبالغ فيه كثيراً، ولو سلمنا جدلاً بصحة هذا العدد فلا أعلم ما الذي يُخيف ويُرعب هذه القوى من إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، فالقاعدة الجماهيرية هذه كافية لإيصال هذه القوى إلى السلطة وحصولها على الأغلبية البرلمانية المريحة جداً وخصوصاً في ظل اعتماد نظام القائمة النسبية، وهي فرصة لا تعوض بالنسبة للمعارضة دون الحاجة إلى اللجوء للمشاريع الانقلابية الفاشلة، فالوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع هو تجسيد عملي للنهج الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة، وأعتقد أن على كافة القوى السياسية أن تختبر شعبيتها وقاعدتها الجماهيرية عبرها بعيداً عن الشطحات والمبالغات والسجالات الإعلامية المتبادلة، لا نريد أن تأخذنا العزة بالإثم، ونرفض الانصياع لصوت العقل ومصلحة الوطن، استمرار الأزمة وتعثر مسار عملية الحوار الوطني يعني أن البلاد دخلت مرحلة الخطر، وإذا لم يتدارك العقلاء هذه التداعيات فإننا سنخسر كل شيء وستدخل البلاد في حالة مُفرطة من الفوضى والصراعات التي لا أول لها ولا آخر. إذاً التنازلات مطلوبة من السلطة والمعارضة، السلطة دعت المعارضة إلى الحوار، والمعارضة ردت بأن الدعوة جاءت متأخرة، وغير جدية، ومن هنا فإن على السلطة المضي قدماً في دعوتها إلى الحوار الوطني للخروج من الأزمة، وعليها أن تكون أكثر مرونة إزاء أي مطالب للمعارضة للعودة إلى الحوار، وعلى المعارضة أن تتراجع عن مواقفها الرافضة للحوار، فالوقت لايزال متاحاً، ولابد من طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تنشد من خلالها كافة القوى السياسية المصلحة الوطنية العليا، وحذار حذار من مغبة الاستهانة بالأرواح التي تُزهق والدماء التي تُسفك والأضرار والخسائر التي يتكبدها الوطن، فالمسألة ليست سهلة أو هينة كما يتخيل البعض، المعارضة والقوى المتحالفة تريد التغيير، ومن أجل ذلك تقوم بكل الممارسات المشروعة وغير المشروعة، وهذا المطلب بالإمكان أن يتحقق عبر الأطر الدستورية والقانونية والديمقراطية، ومن باب أولى سلك هذا المسلك وإغلاق أبواب الفتنة، لا نريد أن نقحم البلاد في بوتقة من الصراعات لا تنتهي، بالأمس القريب انتقدنا إشهار ما يسمى بالمجلس الانتقالي الرئاسي من قبل أحد مكونات ما يسمى بالثورة الشبابية بساحة الاعتصام بصنعاء؛ لأن هذا الكيان يُراد منه إشعال فتيل الفتنة وإدخال البلاد في «حيص بيص» من أجل طموحات بعض المتحمسين ممن يعملون على تقليد ما حصل في ليبيا وتونس ومصر، الكل انتقد هذا الإجراء غير الدستوري وغير الشرعي؛ لأنه لا يخدم اليمن في شيء على الإطلاق، واليوم نسمع عن استعدادات مكثفة لتشكيل مجلس وطني لإدارة البلاد بدعوة من أحزاب اللقاء المشترك، ولا أعلم ما الذي دفع المشترك إلى الإقدام على هذه الخطوة والعملية الانقلابية رغم إدراك الجميع أنها خطوة وعملية انقلابية لا تحمل أية صفة شرعية، ولا يوجد لها أية مرجعية قانونية ولا شعبية، ولن يكون لها أية بوادر نجاح حتى وإن حصلت على دعم وتأييد قطر، فقطر ليست العالم بأسره، وإقدامها على الاعتراف بهذا الكيان الانقلابي لن يقدم ولن يؤخر، قد يكون المجلس الوطني مناورة سياسية من قبل المشترك للضغط على السلطة، ولكنه توجه غير سليم أخفق فيه قادة المشترك ومن طرحه عليهم كفكرة قابلة للتنفيذ، لا أعلم ماذا سيضيف إعلان هذا المجلس في ظل الأوضاع والمعطيات الراهنة غير المزيد من التصعيد والتأزيم واستمرار معاناة المواطنين وتدهور الاقتصاد الوطني، كان الأحرى بالمشترك أن يُعلن قبوله بالحوار ويبدأ بالاتجاه نحو إجراء الإصلاحات الدستورية المتعلقة بالعملية الانتخابية ابتداء بصياغة دستور جديد وتعديل قانون الانتخابات وصولاً إلى تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وتصحيح السجل الانتخابي والتوافق على ضمانات دستورية تضمن للجميع إجراء انتخابات نزيهة وشفافة يحتكم لنتائجها الجميع بعيداً عن التخوين والتشكيك، ولا أرى غير الانتخابات التي ستكفل للمعارضة فرصاً عدة لتحقيق أهدافها وطموحاتها السياسية، فإذا كانت المعارضة تمتلك الأغلبية الجماهرية كما تدّعي فما عليها إلا القبول بالحوار والانتخابات المبكرة، هي ترفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وإذا كان هذا الشعار معبراً عن رغبة الشعب فإنها ستكسب الرهان، أما إذا كانت تناور وتدلس به فإن الشعب سيقول كلمته ويمنح الثقة لمن يرى أنه يستحقها، أما البحث واللهث وراء مشاريع انقلابية فإن ذلك لن يجدي نفعاً، فلا المجلس الانتقالي الرئاسي ولا المجلس الوطني قادران على صنع أي شيء أو إحداث أي تغيير؛ لأنهما بلا شرعية، وفاقد الشيء لا يعطيه، وما أخشاه أن يكون قرار المشترك إعلان المجلس الوطني في ال17 من رمضان الحالي بمثابة الضوء الأخضر لاندلاع المواجهات المسلحة، من أجل الوصول إلى السلطة، أخشى أن تجرهم السياسة والحزبية إلى انتهاك حرمة رمضان وإحراق الأخضر واليابس في البلاد، كنت أعوّل على حكمة وتعقل بعض قيادات المعارضة والقوى المتحالفة معها في رفض هذه المشاريع الانقلابية، ولكن الشيء المؤسف أن هؤلاء ركبوا الموجة وانساقوا خلف البقية ولسان حالهم يقول: «بين إخوتك مخطئ ولا وحدك مصيب». على العموم نحن ننشد مصلحة الوطن وليس لنا أي عداء أو خصومة مع هذا الطرف أو ذاك، كما ليس لنا مصلحة من هذا الطرف أو ذاك، فالاختلاف سنة الحياة واحترام الآراء و المواقف الشخصية مطلوب، وفرض نظام التبعية العمياء غير مجدٍ على الإطلاق، فالكل ينعم بالحرية، ولا يمكن أن تحجر أنت أو أنا على صاحب رأي أو قضية، النقاش متاح، وفي النهاية قد يقتنع هذا أو ذاك، وقد يمر كل واحد على مواقفه، وهذا شيء طبيعي، نحن ضد سياسة الإلغاء والإقصاء والاستبعاد في مختلف المجالات، نحن مع الشراكة الوطنية لما فيه خير الوطن وتقدمه ورقيه وأمنه واستقراره، ولما فيه معيشة كريمة وهانئة لأبناء الشعب الوفي الصابر والمخلص. حفظ الله اليمن واليمنيين، وأدام علينا نعمة الوحدة والأمن والاستقرار، ولا عاش أعداء اليمن، ورمضان كريم، ودمتم سالمين. [email protected]