يبدو أن روسيا أدركت أخيراً أن نظام بشار الأسد ينهار وأن المعارضة السورية على وشك تحقيق الانتصار الذي تسعى من أجله منذ أكثر من عامين . هذا الإدراك الروسي المتأخر يؤكد حقيقة واحدة وهي أن روسيا متأخرة عن العالم بمراحل في مختلف المجالات وهو ما يجعل إدراكها للحقائق وما يجري على الأرض في مختلف أنحاء العالم يأتي متأخراً . وقبل أن نستعرض التصريحات الروسية المتأخرة دعونا نتذكر أن عراب السياسة الخارجية الروسية العجوز سيرجي لافروف وقبل نحو شهر أو أكثر من الآن كان قد قال للفرنسيين إذا أردتم إسقاط الأسد فعليكم أولاً إسقاط بوتين . كان ذلك أوقح وأقوى تصريح يصدر عن لافروف وأعتقد أنه سيكون الأخير، وآمل أن يدرك الكرملين أن عهد لافروف ينبغي أن ينتهي ، فليس هناك من عاقل على وجه الأرض يمكنه أن يدلي بتصريح كهذا حتى لو كان منتصراً . لافروف أصبح عبئاً كبيراً على الخارجية الروسية وهناك فريق عريض في الخارجية الروسية وفي أوساط روسية سياسية واقتصادية يدرك هذه الحقيقة، وبالتالي فقد آن الأوان ليترجل ويجنب روسيا المزيد من الكوارث. وبالعودة الى الإدراك الروسي المتأخر لقرب سقوط الأسد ، فقد تقاطعت أمس الأول التصريحات الروسية مع تصريحات لمسئولي حلف الناتو ، حيث تنبأت جميعها بقرب انهيار نظام الرئيس بشار الأسد، فالأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فو راسموسن، قال بعد اجتماع مع رئيس الوزراء الهولندي مارك إنه يعتقد أن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد توشك على الانهيار، وأن النظام في دمشق يوشك على الانهيار وأن المسألة أصبحت الآن مسألة وقت فحسب . وبالتزامن مع هذه التصريحات ، أقر مبعوث الكرملين الخاص لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف ، والذي يشغل أيضاً منصب نائب وزير الخارجية الروسي بأن قوات المعارضة السورية تحقق مكاسب في مواجهة القوات الحكومية ومن الممكن أن تنتصر في الحرب الدائرة مع نظام الرئيس بشار الأسد. بوغدانوف قال بالحرف الواحد “ ينبغي أن نواجه الحقائق... النظام والحكومة في سوريا يفقدان السيطرة على المزيد والمزيد من الأراضي... للأسف لا يمكن استبعاد انتصار المعارضة السورية”. وكشف بوغدانوف للمرة الأولى ربما عن أن روسيا تعكف على خطط لإجلاء مواطنيها من سوريا إذا لزم الأمر ، حيث يوجد في سوريا نحو 5 آلاف روسي مسجلين لدى السفارة الروسية في دمشق بشكل رسمي وأكثر من 20 الفاً غير مسجلين وفقاً لإحصائيات غير رسمية تناقلتها وسائل الإعلام الروسية أمس الأول . تصريحات بوغدانوف هذه ربما تكون أوضح مؤشر حتى الآن على أن روسيا تتأهب لهزيمة محتملة لنظام الأسد. وقبل هذه التصريحات وخلال منتدى المنامة الذي عقد الأسبوع الماضي نقل أكاديمي خليجي كان حاضراً إحدى جلسات المنتدى المغلقة عن مسئول روسي كبير لم يسمه قوله بالحرف الواحد «روسيا لن تستقبل الأسد تحت أي مبرر .. وقد أبلغناه ذلك» . أعتقد بعد كل هذه التصريحات الروسية أن نظام بشار الأسد يطوي هذه الأيام صفحاته الأخيرة وأن الشعب السوري يوشك أن يولد من جديد . اما روسيا فلا أظن أحداً في العالم يعيش مأزقها الحالي، فهي تفقد آخر قواعدها في المنطقة، والأهم من هذا أن هذه الخسارة تأتي متزامنة مع فقدان شعبيتها ومصداقيتها لدى شعوب المنطقة عموماً والشعب السوري على وجه الخصوص . سيكون على روسيا أن تخوض عملاً شاقاً ومضنياً لاستعادة مكانتها لدى الانسان العربي أولاً واستعادة مكانتها كقوة إقليمية ودولية ثانيا ً، وهذا أمر ليس باليسير. رابط المقال على الفيس بوك