وأنت تجوب شوارع مدينة تعز ،ستصادف أسماء كثيرة لشخصيات وطنية من صنعاء والمحافظات الواقعة شمال الشمال مكتوبة على المنشأة العامة باعتبارها عناوين لتلك المنشآت ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مدرسة الشهيد الموشكي ومدرسة الحورش ،معهد الثلايا ،مدرسة العلفي ،مدرسة الزبيري وغيرهم من الرموز الوطنية اليمنية من خارج محافظة تعز. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود تقدير شعبي واجتماعي لرموز الحركة الوطنية من أي منطقة كانوا . ولكننا بالمقابل ونحن نجوب شوارع صنعاء لانجد أي مدرسة باسم الاستاذ احمد محمد نعمان وهو مؤسس الحراك السياسي في اليمن ،ولانجد أي شارع أو حتى زقاق باسم شاعر اليمن الكبير عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول )ولا توجد كلية أو معهد باسم الشهيد الحكيمي ولانجد أي جدار حكومي مكتوباً باسم الفقيد عمر الجاوي رغم ضخامة رصيده النضالي والوحدوي. ليس هذا فحسب بل ان العاصمة اليمنيةصنعاء لم تتشرف حتى اليوم باعتماد اسم الشاعر الكبير، عبدالله البردوني على اي معالم من معالمها العامة . وإذا حاولنا البحث عن اسباب التناقض والازدواجية بين وظيفة صنعاء المكانية باعتبارها عاصمة لليمن وبين عدم قدرتها الاستيعابية لليمنيين القادمين من خارجها وعدم احتفاء اهلها بالرموز الوطنية القادمة من خارج العاصمة سنجد ان طبيعة العامل الاقصائي العالق بثقافة صنعاء لاترجع الى طبيعتها المكانية ولا تخص سكانها الأصليين المعروف عنهم السبق المدني والحضاري . وانما يعزى الإقصاء الثقافي والاجتماعي في صنعاء الى الثقافة الاجتماعية والعشائرية المحيطة بصنعاء والواقعة بضواحيها وهي ثقافة عشائرية موغلة في بدائيتها وتتناقض كليا مع ثقافة صنعاء المدنية . في ثقافة ضواحي صنعاء خصوصا باتجاه شمال صنعاء يوجد ما يعرف بالمواطن “ المخرجي” وهو أي مواطن يمني يمتلك بيتاً خارج صنعاء وهو من غير أبناء المنطقة ،والمواطن المخرجي هو يمني منتقص المواطنة ويطلب منه قبل بناء البيت إشهار ضعفه بمراسيم علنية يطلب فيها المواخاة بحسب العادات المتبعة شمال صنعاء .وتعني المواخاة انه يعيش بحماية الآخرين من يختارهم من وجهاء المنطقة ، ولايمنح المواطن “المخرجي” الحق في المواخاة الا في مراسيم احتفائية عادة ما يجبر فيها على ذبح ثور أو أي ذبيحة اخرى ثم يعيش “المخرجي” منتقص المواطنة طيلة عمره وربما ابناؤه من بعده، وتتضاعف مأساة المواطن “المخرجي” اذا كان برغليا من أبناء تعز أو إب. ومن هذه الأعراف الثقافية والعشائرية بدأ البعد الاقصائي يتسلل الى الحياة الاجتماعية في صنعاء وبفعله اصبحت أجواء العاصمة اجواء إقصائية وعنصرية بهذ المعنى. وبدلا من ان يؤثر مجتمع العاصمة في محيطه العشائري حدث العكس اذ اثر المحيط العشائري على حياة العاصمة بشكل طاغ ،وبفعل هذا التأثير برز على سطح الحياة العامة في صنعاء خلل معياري في حق المواطنة تغذيه بعض الممارسات الرسمية وهذا الأخير أدى بدوره إلى انكماش الحياة المدنية بصنعاء واندحار قيمها امام الثقافة المحيطة بصنعاء وهي الثقافة العشائرية . وعليه فقد بقي المواطن اليمني القادم من خارج صنعاء موصوما على جبهته بأنه مواطن “مخرجي” وان كان من سكان العاصمة ومع ان السكان القادمين من خارج صنعاء تجاوزوا ما نسبته 70 % إلا أنهم مازالوا مخرجين بنظر العرف العشائري وممثليه الرسميين. وانا هنا لا ألوم سكان صنعاء ولا احمل محيطها الريفي المسؤولية عن هذا الاستهتار المعيب في حقوق المواطن اليمني ،بقدر ما ادعو لإعادة النظر في ثقافة المواطنة المنقوصة في صنعاء ومحيطها ، بل واجدها فرصة مناسبة واليمنيون يستعدون لخوض حوار وطني هو الأول من نوعه في تاريخ اليمن فإني ادعو القائمين على مؤتمر الحوار اعادة هيكلة المواطنة وتصنيفها على اساس الحقوق المتساوية . بل واكاد أجزم أن إعادة هيكلة المواطنة اهم من هيكلة الجيش والأمن ،واذا اصبحنا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات على هذه الارض اليمنية ساعتها ستكون الفرص في الحياة وفي الحق في الملكية الخاصة والوظيفة والحق في الشراكة السياسية متساوية ،ساعتها ستختفي كافة اشكال التمييز المناطقي والطائفي وحينها فقط سنضع حدا لمأساة المواطن “المخرجي” . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك