عدن المدينة الراسخة في عمق التاريخ، عدن التسامح الديني والعرقي، عدن الحاضنة للجميع بمختلف أطيافهم وانتمائهم من اليمن وخارجه، كانت محط أنظار وقبلة للشعوب كافة، يقطرونها أفراداً أو جماعات للتجارة أو التوطن أو الإقامة، فاتحة أذرعها للكل، وكانت ملتقى البشر من كل الديانات والأعراق والجنسيات، تباركت بهم وتباركوا بها، كانت نابذة للعصبية بكل أنواعها، من سكنها اعتز بالانتماء لها، كانت سباقة في الرقي الحضاري والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، بل يمكن القول: إنها السباقة في تجربة المجتمع المدني في المنطقة، حيث تعايشت بها جميع الديانات والأعراق والجنسيات بسلام من مسلم ونصراني ويهودي وهندوسي.... وغيرهم. وتضاعفت الأهمية الاستراتيجية لعدن بعد أن قام الاستعمار البريطاني بإعلان عدن ميناء حراً في 1850م، وبعد فتح قناة السويس 1969 توسعت تجارة الملاحة فيها، وبعد أن أقام الاستعمار البريطاني فيها أضخم مصفاة للنفط في منطقة الشرق الأوسط حينها فقد أصبح عمال المصافي إلى جانب عمال الميناء نواة الطبقة العاملة في عدن وتشكلت النقابات العمالية وكانت البؤرة المركزية التي كانت تتجمع وتتبلور فيها خلايا الثورة الوطنية التحررية، حيث كانت الطبقة العاملة في نضالها ترفع شعاري التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي والوحدة اليمنية، وحينها تكونت أحزاب الحركة الوطنية بشتى اتجاهاتها الإسلامية والقومية والناصرية والبعثية والماركسية، ومنها امتدت إلى شمال الوطن آنذاك، وترسخت الثقافة الثورية بمختلف سماتها الوطنية والقومية والأممية، ولمع رواد الفكر الاشتراكي وعلى رأسهم المفكر عبدالله باذيب. ومن عدن عرفت المنطقة واليمن لأول مرة أشكال النضال السلمي المعاصر من الإضرابات والمسيرات ثم المظاهرات الشعبية والانتفاضات، إلى أن تطورت على شكل كفاح مسلح لمجابهة الاستعمار البريطاني حينها. وكانت عدن منبراً للفكر والثقافة والعلوم بل كانت ولادة بالمفكرين والسياسيين والأدباء والشعراء والفنانين التي رفدت بهم الساحة اليمنية بل والجزيرة العربية حينها. وبعد الاستقلال من الاستعمار استمرت عدن الحاضنة لكل القوى الثورية التقدمية، ورغم الصراعات التي شهدتها، إلا أنها لم تتخلّ عن المشروع الوطني الذي كان هدفاً استراتيجياً في سياسات الحكومات المتعاقبة عليها، حتى أصبح جزءاً من الثقافة والسلوك للمجتمع جيلاً بعد جيل، إلى أن أصبحت عدن المنبر الذي أعلنا منه توحيد شطري اليمن في 22 من مايو 1990م. أما اليوم فالثقافة السائدة فهي دخيلة على عدن وأبنائها؛ لأنها نتاج تخريب متعمد في البنية الثقافية للمجتمع في عدن، وعلينا أن نرفضها ونحاربها؛ لنعيد لعدن رونقها التنويري الثقافي، ونثبت للآخرين أن عدن لا يمكن أن تكون إلا عدن التسامح، عدن الرافضة للعصبية القبلية والطائفية المقيتة، حتى تكون عدن مصدر إشعاع الخير للوطن والأمة. رابط المقال على الفيس بوك