مباحثات يمنية - روسية لمناقشة المشاريع الروسية في اليمن وإعادة تشغيلها    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    أزمة الكهرباء تتفاقم.. دعوات للعليمي والحكومة بتقديم الاستقالة    الاكاديمية العربية للعلوم الادارية تكرم «كاك بنك» كونه احد الرعاة الرئيسين للملتقى الاول للموارد البشرية والتدريب    عاجل: غارة للطيران الأمريكي في مطار الحديدة الدولي    مصدر مسؤول: لملس لم يدلي بأي تصريح ولا مقابلة صحفية    بيان للمبعوث الأممي ''غروندبرغ'' قبيل جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن اليمن    احتجاز عشرات الشاحنات في منفذ مستحدث جنوب غربي اليمن وفرض جبايات خيالية    صراع الكبار النووي المميت من أوكرانيا لباب المندب (1-3)    رشاد كلفوت العليمي: أزمة أخلاق وكهرباء في عدن    ماذا يحدث في عدن؟؟ اندلاع مظاهرات غاضبة وإغلاق شوارع ومداخل ومخارج المدينة.. وأعمدة الدخان تتصاعد في سماء المدينة (صور)    قيادي انتقالي: الشعب الجنوبي يعيش واحدة من أسوأ مراحل تاريخه    بناء مستشفى عالمي حديث في معاشيق خاص بالشرعية اليمنية    من أراد الخلافة يقيمها في بلده: ألمانيا تهدد بسحب الجنسية من إخوان المسلمين    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    دموع ''صنعاء القديمة''    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    وكالة أنباء عالمية تلتقط موجة الغضب الشعبي في عدن    أرتيتا لتوتنهام: الدوري الإنجليزي يتسم بالنزاهة    صحيفة لندنية تكشف عن حيلة حوثية للسطو على أموال المودعين وتصيب البنوك اليمنية في مقتل .. والحوثيون يوافقون على نقل البنوك إلى عدن بشرط واحد    مارب.. الخدمة المدنية تدعو الراغبين في التوظيف للحضور إلى مكتبها .. وهذه الوثائق المطلوبة    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    تشافي: أخطأت في هذا الأمر.. ومصيرنا بأيدينا    النفط يواصل التراجع وسط مؤشرات على ضعف الطلب    ميلان يكمل عقد رباعي السوبر الإيطالي    تعيين الفريق محمود الصبيحي مستشارا لرئيس مجلس القيادة لشؤون الدفاع والامن    شاهد.. الملاكمة السعودية "هتان السيف" تزور منافستها المصرية ندى فهيم وتهديها باقة ورد    صورة حزينة .. شاهد الناجية الوحيدة من بنات الغرباني تودع أخواتها الأربع اللواتي غرقن بأحد السدود في إب    انهيار جنوني متسارع للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي (أسعار الصرف)    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    باريس يسقط في وداعية مبابي    رسميًا: تأكد غياب بطل السباحة التونسي أيوب الحفناوي عن أولمبياد باريس 2024 بسبب الإصابة.    دموع "صنعاء القديمة"    رسالة صوتية حزينة لنجل الرئيس الراحل أحمد علي عبدالله صالح وهذا ما ورد فيها    تحرير وشيك وتضحيات جسام: أبطال العمالقة ودرع الوطن يُواصلون زحفهم نحو تحرير اليمن من براثن الحوثيين    منصات التواصل الاجتماعي تشتعل غضباً بعد اغتيال "باتيس"    للتاريخ.. أسماء الدول التي امتنعت عن التصويت على انضمام فلسطين للأمم المتحدة    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    الأمم المتحدة تعلن فرار مئات الآلاف من رفح بعد أوامر إسرائيل بالتهجير    "أطباء بلا حدود" تنقل خدماتها الطبية للأمهات والأطفال إلى مستشفى المخا العام بتعز مميز    بدء اعمال مخيّم المشروع الطبي التطوعي لجراحة المفاصل ومضاعفات الكسور بهيئة مستشفى سيئون    المركز الوطني لعلاج الأورام حضرموت الوادي والصحراء يحتفل باليوم العالمي للتمريض ..    مصرع وإصابة 20 مسلحا حوثيا بكمين مسلح شرقي تعز    وفاة أربع فتيات من أسرة واحدة غرقا في محافظة إب    لو كان معه رجال!    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    بسمة ربانية تغادرنا    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستعمار وأثره على الهوية الوطنية!
أكاديميون ل«الجمهورية»: الاستعمار بعد سرقة الثروات يعمل جاهداً على ترك مفاهيم ملغومة بالتبعية والانصياع لأفكاره
نشر في الجمهورية يوم 01 - 12 - 2012

برغم كل محاولات تجميل الصورة التي سعى إليها المحتلون أو المستعمرون يبقى الاستعمار هو الاستعمار مهما تغيرت أشكاله وتعددت ألوانه.. أو مجالاته أو مستوياته.. مفهومه واحد وإن تعددت مغازيه وتنوعت مقاصده..ومهما ترك في البلد المحتل من أصداء تطوره أو نفحات ازدهاره فإنما يكون ذلك لدعم بقائه وتمكن أفراده من العيش في ما يقارب المكان الذي جاؤوا منه.. 26سبتمبر ومواكبة للعيد ال45 من نوفمبر التقت مجموعة من الشخصيات الأكاديمية وناقشت معهم مدى التأثير الذي يتركه الاستعمار على هوية الأوطان المحتلة محاولة الإضاءة على أهم جوانب هذا التأثير من زوايا متخصصة كي يقع القارئ على صورة مقربة لأثر الاستعمار على الهوية الوطنية.. متمنين أن نكون قد أفدناه.. فإلى الحصيلة.
بداية تحدث إلينا الدكتور أحمد عبدالله الصعدي دكتور الفلسفة بجامعة صنعاء قائلاً: إن علاقة الاستعمار بالهوية الوطنية للبلد المحتل علاقة قديمة قد الاستعمار نفسه وأفضل من عبر من جوهر هذه العلاقة هو المفكر السياسي الإيطالي ميكافيلي في القرن السادس عشر فقد نصح الأمير الذي سوف يحتل أي بلد لكي يستطيع أن يستمر في احتلال هذا البلد والسيطرة عليه يجب أولاً أن يعمد إلى الرموز التي تشد أبناء هذا البلد إلى بلدهم وتشعرهم بالانتماء والوحدة فيزيلها ويقضي عليها ويكون بهذا قد قطع أولى جذور ارتباطهم بأوطانهم واستقلالهم وهويتهم.. وقد قدمت عدة دراسات معاصرة في هذا الموضوع وقد أجمعت بشكل تقريبي على أن الهوية الوطنية للبلد المستعمر أول أهداف الاستعمار.. حتى إن فيلسوفا روسيا اسمه “سلافيوف” ميز بين نوعين من الاستعمار حيث قال إن الاحتلال الألماني يعمل على محو الهوية الوطنية للبلد المحتل من خلال محاولته محو اللغة وأما الاستعمار البريطاني بحكم أن بريطانيا تسود فيها الفلسفة التجريبية يهمه إخضاع الناس والسيطرة عليهم من خلال محو هوية الانتماء للوطن الأم والتماهي مع الاستعمار باعتباره أقوى وأنفع للحياة ولا يعمد إلى طمس الهوية بالنسبة لجوانبها الأخرى.
وبعيداً عن هذا فالاستعمار أيا كان يترك تأثيره الكبير في تفكير الناس وطريقة حياتهم وفي معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم وتختلف فقط نسبة هذا التأثير من بلد إلى آخر حسب قابليته لهذا التأثير.. فما حصل مثلاً في بلاد المغرب العربي لم يحصل بنفس الدرجة في جنوب الوطن سابقاً وهذا راجع لمدى قابلية الشعوب للتماهي مع هوية المحتل وهي ما سماها المفكر الجزائري الكبير القابلية للاستعمار.. ويعتبر اليابانيون والصينيون أكثر الشعوب تمسكاً بهوياتهم الوطنية.. وإذا ماجئنا إلى وضع الجنوب في عهد الاستعمار البريطاني فالكل يلحظ التأثير الذي تركه في عدن على سبيل المثال، فقد غدت عدن مدينة مفتوحة أو كسموبوليتية أي مدينة عالمية حيث تعايش فيها الناس من ذوي الجذور القومية والإثنية المختلفة.
وهذا ليس إشادة بالاستعمار بقدر ما هو توضيح لحقيقة عدن.. لكن برغم ذلك فقد عرفت عدن في عهد الاستعمار من مظاهر التحضر ما لم تشهد مثله الكثير من الدول.. فقد عرفت التلفاز بعد اليابان بثماني سنوات والتعليم بمؤسساته الحديثة والمنظمات والأندية والصحافة ومظاهر الحداثة الأخرى.. ولكن هذا بالضرورة لم يحدث من أجل أبناء الجنوب، ولكن من أجل تمكنه وأفراده من البقاء أطول فترة في هذا البلد أو ذاك.
د. عبدالحافظ الخامري د. علم النفس جامعة صنعاء:
بطبيعة الحال كل مستعمر له هويته الخاصة وعندما يقوم باحتلال بلد ما أي كان هذا البلد فإنه سيؤثر حتماً على هذا المجتمع أفراداً أو جماعات.. ولأنه يسوق هويته بشكل طبيعي من خلال كل أفعاله وتصرفات أفراده وسلوكهم.. فهو بالتالي سيؤثر شئنا هذا أم أبينا على الهوية الوطنية للبلد سلباً أو إيجاباً الذي يحتله وسيحاول جاهداً مسخها وإتلاف مكوناتها جزئياً أو كلياً إن استطاع حتى يتمكن من أن يجعل الشعب المحتل نسخة من هويته وتقليداً صارخاً أو مسخاً له.
ولأننا بطبيعة الحال لا نستطيع أن نكون أشخاصاً آخرين غير أنفسنا لذلك نغدو كالمسخ بلا هوية أو ملامح واضحة متى ما تخلينا عن هويتنا وما يميزنا غيرنا.
وبرغم أن الاستعمار قد يجلب وهو يفرض سيطرته على البلد المحتل بعض ظلال التطور الذي يعيشه في يلده كنتيجة طبيعية لصورة الحياة التي وصل إليها.. لكنه بالتالي لا يسمح بوصول هذا التطور إلى غير المكان الذي هو حدود سيطرته حتى لا يتمكن الشعب من الاستفادة مما يقدمه استفادة كاملة.. فعلى سبيل المثال ما حدث في عدن من تطور لم يشمل بقية مدن الجنوب.. بل إن طبيعة الانفتاح على الحياة الغربية أدت إلى ظهور أو شيوع مظاهر غير أخلاقية وغريبة على ثقافتنا وعاداتنا الوطنية والإسلامية وغدت صورة من صور التطور رغم أنها غير ذلك مما أثر سلباً على الهوية الأخلاقية أو الحياتية لبعض الناس وهذا يعد نتيجة طبيعية للوقت الطويل الذي عاشه الاستعمار في عدن خلال مايزيد عن 130 عاماً.
* الدكتور فاهم الأغبري رئيس قسم الآثار في جامعة صنعاء.. بداية لم نسمع أبداً عن أي استعمار احتل بلداً ما ولم يؤثر على هويته.. بل يعمد قاصداً إلى محوها وطمس رموزها وإلغاء معالمها.. وهذا ما حدث لأغلب البلدان التي عانت من الاحتلال بشتى أشكاله.. وما هو حاصل في فلسطين المحتلة خير مثال على ذلك فكل ما يحدث وكل أساليب القمع والوحشية والإجرام المعمول بها لا تهدف إلا إلى محو هوية فلسطين العربية مستخدمين كل ما تحت أيديهم من قوة تحت نظر العالم أجمع.. وما جرى في اليمن أيام الاستعمار البريطاني لجنوبه لا يخرج عن هذا النطاق.. فالمجهود الذي بذله الاستعمار لم يتعد نهب ثروات الجنوب محاولاً جهد استطاعته طمس الهوية الوطنية لعدن من خلال نهب الآثار التي تدل على أصالة وقدم الحضارة اليمنية.. فقد تعرضت الآثار اليمنية للنبش والتخريب في الأماكن التي كانت تحت سيطرتهم وتم الاتجار بها وذلك بمساعدة من كان يدور في فلكهم من أبناء الجنوب كي يتمكنوا من طمس الجذور العميقة لليمن من عمق التاريخ التي تعود لأكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد .. فجذور اليمن موغلة جداً في عمق التاريخ.. وهذا ما حاول المستعمر محوه وإزالته.
والكثير من هذه الآثار معروض اليوم في كبريات المتاحف العالمية لبلدان كانت من أساطين الاستعمار في العالم.. كل ذلك جرى للأسف في كثير من الأحيان بتواطؤ أبناء اليمن من سماسرة وقطاع طرق فسرقت الآثار اليمنية ونهبت وهربت إلى حيث أرادوا.
ليس هذا فحسب فقد حاول الاستعمار السطو على الهوية الوطنية والانتماء العربي من خلال تشجيعه لشبابنا بالانضواء تحت أو ضمن التجنيد في الجيش البريطاني للقتال تحت لوائه في مستعمرات تتبع التاج البريطاني أو الاستعمار الفرنسي والإيطالي كما حدث عندما أخذ الكثير من اليمنيين للقتال في ليبيا وتم استخدامهم كجنود مرتزقة في محاربة إخوانهم الذين كانوا يقاومون المستعمر في بلدانهم.. رغم أن الكثير من الذين ذهبوا للقتال في ليبيا هربوا بعد ذلك و انخرطوا في صفوف المقاومة.. وهذا ما يدل على قوة الهوية وعمق الانتماء.. هذا إلى جانب أنه سعى جاهداً إلى تشجيع الانتماء للتجمعات الشعبية الضيقة كالمشيخات والسلطنات وتكريس الانتماء الطائفي مستخدماً قاعدته الشهيرة فرق تسد بين الإخوة في جميع المستويات وبما يلبي طموحاته وأهدافه.
الدكتور محمد قاسم الشعبي أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة صنعاء:
عندما يتحدث المرء عن الاستعمار يتبادر إلى الذهن الاستعمار البريطاني الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس وكان من ضمنها جنوب اليمن الحبيب الذي يمثل ثلاثة أرباع مساحة اليمن..وأمر طبيعي أن يؤثر الاستعمار على الهوية الوطنية للبلد المحتل.. وهذا التأثير يكون أكبر بالتأكيد كلما كانت الفترة أطول.. والاستعمار البريطاني بعدن استمر أكثر من مائة وثلاثين عاماً.. وكانت له الكثير من التأثيرات السلبية والإيجابية لا شك.. لكن تأثيره على الهوية الوطنية لليمن أو الشطر الجنوبي منه لم يكن بذلك العمق.. فنحن قد انفتحنا على ثقافاته وتطوره ضمنياً من خلال المدارس التي افتتحها والمؤسسات التي أنشأها.. وتأثير الاستعمار ليس بالضرورة سلبياً.. ورغم الاختلاف فالمسلمون عندما دخلوا البلدان التي افتتحوها نشروا ثقافتهم.. وهذا أمر طبيعي.. وأي حكم أجنبي في أي بلد لابد أنه سيؤثر على ثقافة هذا البلد بأي شكل من الأشكال.. وقديماً كان الاستعمار بنشر ثقافته في البلدان التي تحت سيطرته.. واليوم لا زال ينشرها رغم استقلال كل البلدان التي تحت سيطرته بمعنى أنه غاب عسكرياً ليحضر فكرياً وإعلامياً.. والمظاهر السلبية التي طرأت على الهوية الوطنية ثقافياً وأخلاقياً ليست بالضرورة من أفراد المستعمر البريطاني.. فما كان ينضوي تحت سلطات البريطانيين من بلدان كالهنود والأفارقة والأجناس الأخرى جاءت إلى عدن ونشرت جزءاً من ثقافتها.. فعلى سبيل المثال توجد في عدن كنائس لديانات مختلفة وما زالت قائمة حتى اليوم ولأكثر من مذهب حتى البوذين وعباد الشمس.. وهذا بالطبع يعد ميزة من ميزات عدن.. وتبقى مسألة الهوية والاستعمار موضوع بحاجة إلى دراسة دقيقة لتوضيح مدى التأثير الذي تركه الاستعمار على كافة مناحي الحياة.
الدكتور محمد شرف الدين أستاذ اللغة الانجليزية جامعة صنعاء:
عندما جاء الاستعمار إلى عدن في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وتم احتلالها لم يكن أبداً احتلالاً استعمارياً عادياً.. ولكن أراد المستعمر أن يعمق جذوره في الجنوب فقام بعملية شاملة أراد من خلالها أن يوجد أنواعاً من الاتفاقيات مع السلاطين الذين كانوا يحكمون في عدن آنذاك ومن خلال هذه الاتفاقيات نلاحظ أن البريطانيين حاولوا أن يوهموا الشعب في الجنوب بأن الاستعمار لن يطول، وأن المسألة مسألة وقت فقط لا أكثر.. ولكن المطلع على أدبيات ذلك الوقت سيعرف أن ما فعله البريطانيون في عدن كان قد سبقهم إليه الفرنسيون في القرب الثامن عشر كما حصل في حملة نابليون بونابرت على مصر فقد جاء نابليون إلى مصر ومعه حملة من العلماء والمتخصصين الذين كانوا على علم ودراية بالتاريخ العربي واللسانيات ومختلف العلوم الأخرى البريطانيون بالطبع لم يفعلوا هذا بالطبع بل فعلوا شيئاً آخر ألا وهو محاولة إيجاد نوعً من الإصلاحات في الجانب الإداري.. كالمحاكم.. والمدارس والمؤسسات ونوعية الحياة عموماً وقد م مدارس بريطانية الشكل والمناهج كنوع من فرض الهوية الخاصة به بما يطرح انطباعاً جميلاً عن المستعمر وتفوقه وصلاحيته للبقاء وهم عن طريق جلب هذا النوع من التحديث لحياة الشعوب.. وهنا يتبادر إلى الذهن موضوع الحداثة ككل ومن يقدمها وما يفرضه هذا الأمر من تأثير على الهوية الوطنية للشعوب المستعمرة واللغة والأدب بالطبع كان لهما جزء كبير من هذا ولاشك.. فقد قدم البريطانيون لغتهم باعتبارها الأفضل، ومفتاح التطور والولوج إلى حياة الحداثة والتطور، واللغة للمستعمر هي أداته لفرض هويته والتأثير على هوية الشعوب المستعمرة، مستخدمين كل أسلحتهم من التعليم إلى والصحافة والمسرح وسوق العمل أيضاً، ومن خلال هذا كله حاول الاستعمار خلق الانطباع بالتفوق اللغوي والحياتي للمستعمر كي يغري الشعوب بالانصياع لمخططاته.
وموضوع اللغة ومدى تأثرها بالاستعمار هذا موضوع يحتاج إلى دراسة جادة لمداه ونوعيته والمناهج التي كانت تدرس واللغة والأسلوب المستخدم للخروج بخلاصة مفيدة في هذا الشأن، وأنا كمدرس لغة انجليزية أقول إنه برغم أنها لغة العصر، لكنها ليست الأفضل على كل حال، ونحن في اليمن برغم طول الفترة التي قضاها المستعمر لم نتخذها لغة الحياة كما حدث في المغرب العربي وقد يرجع هذا لعمق ومدى نجاح الاستعمار في التأثير على هذا البلد أو ذاك.. يرجع و مدى قابلية الشعوب على التماهي مع لغة المستعمر، وهنا تكمن قوة ورسوخ الهوية من عدمه.
الدكتور سامي محمد بانافع رئيس قسم الدراسات الإسلامية:
بالطبع الاستعمار لا يذهب إلى أي بلد هكذا اعتباطاً.. فهو يعرف أين يضع أقدامه.. واليمن بموقعها الجغرافي المميز والمساحة الكبيرة على البحر أغرى بريطانيا بالزحف إليه وهي من أجل ذلك استخدمت كل الأساليب للبقاء والسيطرة أكبر وقت ممكن في الجنوب، و في سعيها إلى تثبيت أقدامها هناك كانت تعرف عن طريق مفكريها أن الجانب الثقافي من أهم الجوانب التي لو أثر عليها لتمكن من السيطرة والبقاء.. ولذلك عمد الاستعمار إلى ترسيخ المبادئ والأفكار التي تخدم بقاءه كالعصبيات والمذهبيات الضيقة، وهو لأنه يدرك أنه لن يستطيع محاربة الدين بشكل مباشر ذهب إلى دعم المذاهب المختلفة ووفر لها الحرية والجو الملائم للتوسع والانتشار، ولأنه من خلال مهاراته الاستعمارية عرف أن المذهب الصوفي الذي يشجع على السلم وطاعة الحاكم والسلام معه ويكتفي بأداء الطقوس والعبادات الظاهرة .. قرر تقديم الدعم والمساندة له.. لدرجة أنه كان في أيام الموالد النبوية التي كان يقيمها الصوفيون كان يقدم لهم الحطب واللحوم والقهوة والحلويات هذا كله كي يوحي للناس أنه لا يحارب الدين فيما هو يضمر ما ليس في الحسبان ويشجع الناس على نسيان ما هو معلوم من الدين بالضرورة في جهاد المحتل والدفاع عن الأرض وعدم الرضوخ له والسعي إلى نشر الدين، إلى جانب تشجيع كل ما يقلل من اهتمام الناس بدينهم والجري فقط وراء لقمة العيش، وإلهاء الناس ببهرج تطوره عن ثقافتهم ودينهم والحياة التي ينبغي أن يعيشوها، فيشغلهم بالعصبيات والأمور التافهة ضياع أرضهم وثقافتهم وبالتالي هويتهم.. ورغم مظاهر التطور التي كانت ظاهرة في عدن لم يعمل الاستعمار على نشرها على بقية المدن التي كانت تحت سيطرته فعدى عدن كل المدن كانت تعيش نفس الوضع الذي سبق الاستعمار.
*الدكتور علي البريهي نائب عميد كلية الإعلام: بداية كلمة استعمار لا تحوي المعنى الدقيق للكلمة.. وتبسط قسوته وتروج له فهو احتلال ليس إلا.. والاحتلال أي احتلال يعمل على سيادة هويته على هوية المجتمع الذي يحتله ومن أجل ذلك يوجد كل ما يعزز هويته ويساعدها على الظهور والجاذبية بكل وسائله المتاحة ما يجعل الناس في البلد المحتل ينخرطون في مكوناتها رويداً رويداً وهذا لا يظهر على المدى القريب بل يحتاج ربما لعشرات السنين.. والمحتل أبداً لا يأتي بما فيه خير للبلد المحتل وإلا لكنا سميناه شريكاً.
يعمد الاستعمار بعد سرقة الثروات على تدمير الهوية الوطنية وترك مفاهيم ملغومة بالتبعية له والانصياع لهويته وأفكاره ومبادئه دون وعي فهو يأتي بثقافته وخلفيته ويريد أن تكون بديلاً لما عندنا.. وبالجهل هو ينشر ما يريد ويزرع الروح التبعية والاستلابية التي تدعم وجوده، ودعم فكرة بقائه “السلام معه”.
والاستعمار من خلال وسائله المتطورة والحديثة وإعلامه القوي يعمل على إقناع الناس بفكرة الاستسلام له واعتباره مجرد وداعم للشعوب الفقيرة، لذا يجب الاهتمام بتقوية الهوية الوطنية للناس في إعلامنا، ودعم وترسيخ الانتماء الحقيقي للهوية وحب الوطن وبما يقوي حبنا لأوطاننا بدلاً من استنساخ أفكار الإعلام الغربي الذي لا زال يستعمر فضاءنا رغم انه رحل عن أوطاننا.
* الدكتور صالح النهاري نائب عميد كلية التربية: بالطبع اللغة من أهم مكونات الهوية الوطنية للشعوب وهي بالتالي أهم أهداف الاستعمار وسبله للتأثير على الهوية الوطنية للشعب المحتل وهو في طريق تعبيد طريق سيطرته على البلد المستعمر.. يعمد بكل الطرق إلى التقليل من شأن لغة هذا المجتمع، وإضفاء العظمة والقوة على لغته، كسبيل للتقدم والتطور وذلك من خلال المناهج والإعلام والمؤسسات التي ينشئها فارضاً إياها كيفما استطاع وقد ينجح في بعض البلدان، لكنه في البعض الآخر لا فما حدث ممثلاً في المغرب لم يحدث عندنا في الجنوب، رغم جهود الاستعمار البريطاني المضنية لذلك لكن كان تأثيره سطحياً، ولم يستطع جر الأخوة في الجنوب إلى اعتماد لغته في يومياته، ولم يفلح في طمس حبهم للغتهم، رغم انه عمد إلى تشجيع اللهجات، التحدث بها وعد الاهتمام بها.. فالاستعمار حاول كل جهده محاربة اللغة العربية والتقليل من قدرها، لكنه لم يفلح وتبقى اللغة العربية بريقها الذي لن يخفت أبداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.