انور سلطان يشن اوثان اليمننة حملة اخلاقية شعواء على القضية الجنوبية العادلة والاخلاقية ، حربا اخلاقية سوداء لتجريد القضية والمدافعين عنها ، بوصفها قضية شعب وارض وهوية ودولة وقعت تحت الاحتلال ، من كل اخلاق ، ويصورونها بأقبح الصور . واذا سقطت اخلاقية القضية سقطت القضية ، فالعدالة والاخلاق صنوان لا يفترقان ، والقضية العادلة قضية اخلاقية بطبيعتها ، فاذا لم تستطع ان تأتى من ناحية العدالة فهناك جهة الاخلاق ، اسقطها تسقط القضية . انهم لا ينتقدون التصرفات الخاطئة من اجل ابعاد التشويش الاخلاقى عن القضية ، بل ينتقدون جوهرها لتجريدها من الاخلاق . من هذه الحرب عقد قران بين الهوية والعنصرية . هل يمكن وصف هوية بالهوية القاتلة وهى امر موضوعي طبيعي كوجود البشرة في الانسان ؟ هل هذا التوصيف فى هذه الحالة توصيف علمى ؟ ان الهوية القاتلة حقا هى الهوية الغازية لا الهوية الموجودة بشكل طبيعى . والهوية الغازية ليست قاتلة لأنها هوية ، بل لأنها غازية تستبيح كل شئ ( الم نقتل باسمها وتحت رايتها ؟ الم نلغى كشعب باسمها ؟ ) . هل يمكن ان تدين بشرة بنى آدم ؟ او تدين تمسكه بلون بشرته التى يحاول شخص ان يغيرها ، ام تدين من يعتدى ، ويريد ان يغير جلدنا ويلبسنا جلده هو ، او يسلخ جلدنا ويشوهه . ونحن ندين من يمارس السلخ ؛ الاحتلال ووجوده ، ولا ندين الشعب " اليمنى " وهويته كشعب وهوية . اذن الهوية القاتلة هى الهوية الغازية ، هوية السلطة والجيوش الغازية واذيالها من المرتزقة ، واصحابها من الملأ الاعلى المنتفعين وكهنتهم . ان الهوية شئ موضوعى موجود واقعا ، وتمسك الجنوبيين بهويتهم هو ردة فعل رافضة تقاوم محو الهوية التى يمارسها الاحتلال . تمسكهم بهويتهم واعلائها هو حفاظ على الهوية حتى لا تضمحل . والاحتلال هو الذى حول الصراع الى صراع هوية بإسقاط الوحدة ؛ بإفشال اتفاقياتها وبالحرب وباحتلال الجنوب . وكل احتلال واستعمار ، وخاصة الاستيطاني ، هو بطبيعته صراع هوية . فالاحتلال يريد ان تسود هويته ومعالمه ورموزه وكل ما يتعلق به فى الارض التى احتلها ، ويمحو فى المقابل كل ما يستطع محوه من صفات وخصائص ورموز الشعب المحتل الظاهرة وحتى الباطنة ، ليبدو انه حكم وطنى طبيعى . ان المحتل نفسه يشعر انه مختلف عند دخوله ارض الشعب الاخر . واسأل الجيوش والسلطات الغازية كيف كانت مشاعرها فى 7 يوليو 1994 م . الم يشعروا انهم غرباء دخلوا ارض ليست لهم ؟ واسال الجنوبيين ماذا كانت مشاعرهم ، الم يشعروا ان هناك غريب فى ارضهم ، حتى المؤيدين لهم المخدوعين بهم ؟ اذن هناك اغتراب متبادل فى اغوار اغوار النفس . انه امر غير طبيعى ان تجد جحافل من الجيوش ورؤوسها واذيالها فى ارضك ، وهم كذلك يشعرون بهذا الشعور ، بعد حرب لامتلاك الارض استهدفت الشعب وكل ما يتعلق به . يبدأ الاحتلال بالتطبيع النفسى ؛ لنفسه ولمن يحتله ، فتكون سياسيته فى البداية رقيقة ، مثلما فعل نابليون فى مصر . ويبدأ تدريجيا فى تطبيع المكان قبل الناس ليتآلف مع المكان ( ورفع صور عبدالله الاحمر - وهى ايقونة فاقعة للهوية اليمنية - فى الجنوب شكل من تآلف الاحتلال مع المكان ووسيلة فرض هوية ، فبأي صفة ترفع صورته ... وكذلك تغيير اسم قناة عدن ، وكثير من الشوارع والمطارات والمدارس ... الخ وابحثوا عما تم تغييره او استحداثه وستخرجون بقائمة طويلة ) . ثم يأتى تطبيع الناس بالقسر النفسى والاذلال والاجحاف الذى يمارس بحقهم ، والزامهم بطرائقه واساليبه على اى صعيد يستطيع فرضها فيه . ان الاحتلال يفرض نفسه تدريجيا فرضا ، وتزداد قوة الفرض بمرور الزمن والعداء لاى محاولات يعتبرها شاذة عن هويته ، ضاغطا على الشعب وعلى هويته حتى يحدث الانفجار . ان الاحتلال يتصرف غريزيا فى علاقته بالمكان الجديد ، مثل بعض المخلوقات ، فتراه يتجول فى كل ركن وزاوية تاركا فضلاته ليعلن ان الارض ملكه وجزء من ممتلكاته ، هى منه وهو منها . يصدق الاحتلال نفسه ، ويعتبر نفسه الاصل بعد ان تزول غربته وتحل غربة المالك الاصلى . فيزداد سعاره وعدايئته تجاه اى تصرف يشتم منه رائحة غير رائحته . انه يزيل غربته عن المكان لتحل محلها غربة صاحب المكان . بل يجبر صاحب المكان لان يشبهه ويترك طبيعته بقدر ما يستطيع ، فيعوى بحمده ، وينبح بمجده ، و يقضى حاجته رافعا رجله على شاكلته ، ليصبح المكان مرتعا للاحتلال . يعمل الاحتلال على التطبيع القسرى لكل شئ بخصائصه هو وصفاته ومميزاته ورموزه ، و يصل الى محاولة تطبيع البشر انفسهم بمحو قسطا من هويتهم باستهداف ما يستطيع استهدافه من ثقافتهم عبر المناهج المزوره والاعلام وغيرها ، والغاء السلطة الاجتماعية للمجتمع على افراده ، وكثير من عمليات محو الهوية امر تلقائى يحدث كنتيجة للاحتلال ، فتضعف تحت ضغط سلطة الاحتلال اخلاق المجتمع وقيمه وعاداته واعرافه ( وهذا الجزء المهم من الهوية الثقافية ) وتتقطع الراوبط الاجتماعية ، ثم يتم تجريف المجتمع من العلماء والمتخصصين والكوادر والقادة فتنتهى الذاكرة الجمعية والمرجعية الاجتماعية ، ويكون الاحتلال هو المرجعية فى كل شئ . ان الاحتلال فى حالة الهوية الاجتماعية والثقافية كاللص الذى يفرض نفسة وصيا على ايتام اغنياء ؛ يجعل من نفسه صاحب البيت الفعلى ، يرتبه ليكون انعكاسا لوجوده ، ويريبى الايتام اسوأ تربية تضعف شخصياتهم وقيمهم واخلاقهم ، ويفرق بينهم ، ويفقرهم . اذن تصرف الاحتلال العدائى الغريزى والمخطط تجاه هوية الشعب التى تجعل الاحتلال غريبا شاذا ، ومحاولته ازالة غربته بفرض ما يجعله طبيعيا من خصائصه وصفاته وكل مايعود اليه التى يجلبها معه ، وازالة ما يجعله غريبا فيغرب الشعب فى ارضه ، هو الذى جعل الصراع صراع هيوية بطبيعته . ان التمسك بالهوية هو دفاع عن الهوية وليس افتعال هوية . فالهوية امر موضوعى موجود فى كل شئ . ان الهجوم الاخلاقى على الهوية الجنوبية الذى تقوم به اوثان اليمننة يهدف الى تجريد القضية الجنوبية من اخلاقها بادانة الهوية وتصويرها وكانها شئ قبيح قاتل لا يجوز التمسك به والدفاع عنه فى وجه محاولة احتلالية تريد اقتلاعها . هذا جزء من الحرب الاخلاقية على الشعب الجنوبى التى تمارسها اوثان اليمننة . وتتأكد هذه الحرب السافرة العارية اذا نظرنا الى ساحة اخرى من ساحاتها ، وهى ادانة شعار التصالح والتسامح ، بالبحث فى كل كلمة من كلماته العادية وتحميلها معان لا تخطر على قلب بشر متحضر او متخلف . لا تخطر الا فى قلوب اوثان اليمننة فتحمل كلمات بريئة اوزار الحقد والضغينة ، ويتحول مبدأ : دم الجنوبى على الجنوبى حرام ... الى امر كريه ومقيت ، لوجود كلمات : دم ، وجنوبى ، وحرام . الهوية السياسية هى درع الهوية الاجتماعية والثقافية ، فالسلطة السياسية الخاصة بمجتمع من اهدافها الجوهرية الاساسية حماية المجتمع ، وهذا يعنى حماية كل ما يتعلق به ( وهذا ما كان مفترض ان تقوم به دولة الوحدة التى اجهضت ولم تقم ) ومهما كانت جائرة او شمولية فلا تصل الى استهداف الهوية اطلاقا كشيء موضوعى ، وكل ماحدث فى الجنوب هو اعلان هوية سياسية متجاوزه للشعب باعتبار انها هوية لشعبين ( او لشعب واحد فى شطرين ) لكنها لم تاتى بخصائص من ( ج ع ى ) لتحلها محل خصائص الشعب فى الجنوب اوتجبره ليكون مثل الشعب فى ( ج ع ى ) ، بل لقد حافظت الدولة فى الجنوب وسلطاتها على هوية المجتمع بشكل تلقائى لانها منه وتنتمى اليه ولا تستطيع الخروج من جلدها . وان حاول النظام ان يحدث تغييرا اجتماعيا وثقافيا ، وهو امر ينعكس على الهوية ، انما هو مثل التغير فى شخصية الانسان بتقدمه فى العمر وكثرة تجاربه وثراء معارفه لكن يبقى له شخصيته المميزة ، فهو تغير فى هوية المجتمع للمجتمع ، تغير فى صفات الذات لا يمحو الذات ، اما التغيير الذى يحدثه الاحتلال هو محو وطمس هوية او ذات لها صفاتها وخصائصها لصالح هوية اخرى هى هويته ، اى احتواء واذابة الهوية الاخرى ، اذابة الذات القائمة ، للتمكين لذاته ومصالحه فلا يبدو غريبا او شاذا . اما ابناء ( ج ع ى ) فى الجنوب فقد كانوا موظفين ، وان كانوا فى وظائف حساسة ، لكنهم ليسوا هم الدولة والسلطة ، فلذلك لم يكن تأثيرهم سلبى على الهوية كأمر موضوعي واقعى . لا تستهدف هوية المجتمع الا سلطة اجنبية غريبة عن المجتمع . فالاحتلال عندما اسقط سلطة الجنوب السياسية اسقط درع الهوية، واستهدف الهوية تلقائيا للأسباب المذكورة ، وبشكل مخطط ومدروس فى نواح اخرى وهو اخطرها . اما عامل الاذابة الذى يقضى على كل شيء ، السلاح الفتاك ، هو التغيير الديمغرافي عبر الاستيطان . ان التمسك بالهوية الجنوبية هو تمسك ببقاء الذات، هو تمسك بالحياة وبالوجود فى ظل محو وطمس مقصود تمارسه هوية اخرى.