يوم غد الثالث عشر من يناير يتناسى أبناء المحافظات الجنوبية جراح الحرب المشؤومة، بإعلان يوم التسامح والتصالح الوطني.. ويوم أمس أحيا أبناء المحافظات الشمالية، ذكرى توقف حرب صعدة السادسة، بإبراز نتائجها الكارثية، وتفنيد أسباب اندلاعها، والتنبيه لمخاطر إدارة البلد بالأزمات والحروب على طريقة النظام السابق، الذي خاض في صيف 1994 حرباً عدوانية على أبناء الجنوب، تحت يافطة الوحدة، فكانت النتيجة وبالاً على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والهوية اليمنية. في المحافظات الجنوبية وبعد ما يقارب ربع قرن، تنبه الفرقاء إلى أهمية التسامح المجتمعي، وتجاوز حالة الخصومة والقطيعة، التي كانت سبباً في سقوط مشروع الدولة الذي حمله الحزب الاشتراكي عندما اتخذ قرار الوحدة، والإعلان عن الجمهورية اليمنية، فوقع ضحية شريك استمرأ اللعب بخبث على تناقضات المجتمع، في سبيل تثبيت أركان السلطة العائلية التي تهاوى عرشها بفعل الثورة الشعبية في 11 فبراير 2011. وفي صعدة وبعد توقف الحرب السادسة، وفي ظل تداعيات الثورة الشعبية التي منحت «أنصار الله» فرصة التمكن والسيطرة على المحافظة، أعلن عبدالملك الحوثي العفو عن الأفراد والجماعات التي انخرطت مع جيش ومليشيات النظام السابق في الحروب العدوانية على صعدة، وبرغم سيطرة النزعة الثأرية في المجتمعات القبلية إلا أن صعدة شكلت حتى الآن نموذجاً للتسامح المجتمعي، وغدت واحة آمنة مقارنة بأوضاع المحافظات والمديريات من حولها. قبل انطلاق الثورة الشعبية كانت القوى السياسية المعارضة ممثلة باللقاء المشترك، تلامس عمق الأزمة اليمنية حينما ربطت قضيتا صعدة والجنوب بسياسات نظام عصبوي أمعن في القمع والاستبداد، تمهيداً لتوريث الحكم وإن على حساب أشلاء ودماء اليمنيين. واليوم وبغض النظر عن الملابسات التي تحيط بموقفه، لا يزال المشترك منحازاً للجنوب وصعدة، وقد عزز ذلك بالعشرين نقطة التي تقدمت بها اللجنة الفنية للحوار الوطني إلى رئيس الجمهورية، ومن ضمنها الدعوة إلى الاعتذار الرسمي عن الحروب السابقة التي تعرض لها أبناء الجنوب وكذلك أبناء صعدة. وتكمن أهمية الاعتذار في كونه يقطع الطريق على دعاة وتجار وجنرالات الحروب، الذين سيجدون أنفسهم خارج حسابات الدولة المدنية، التي ينشدها أبناء اليمن ويتطلعون إلى تحقيقها واقعاً معاشاً بعد أن ضحوا في سبيلها بالدم و الدموع، وبالنفس والنفيس. لا مكان للحروب والصراعات المسلحة في يمن المستقبل، هذه غاية يجب أن تكون ضمن المخرجات الرئيسية لمؤتمر الحوار الوطني المزمع، ومن أجل الوصول إلى نتيجة كهذه، لا مناص من الاستجابة الرئاسية لدعوة الاعتذار عن نهج الحروب، والمسارعة في تعويض المتضررين، وإعادة إعمار المناطق المدمرة، وغير ذلك من المعالجات التي تشجع مختلف القوى على الولوج إلى قبة الحوار بثقة واطمئنان، قبل أن تجد نفسها مضطرة لمقاطعة المؤتمر، والبحث عن بدائل أخرى قد تفضي إلى تعقيد الأزمات الوطنية بدل معالجتها. وإذا كان يناير قد شهد فصلاً دامياً في تاريخ اليمن المعاصر، ويسعى اليوم أطراف الصراع إلى طي صفحة الماضي، بالإعلان عن صفحة جديدة عنوانها التسامح والتصالح، فلا أقل من أن يبادر الرئيس هادي إلى إمضاء قرارات سبق أن قال بنفسه إنها جاهزة للتوقيع. وكما اختار أبناء المحافظات الجنوبية شهر يناير مناسبة للتسامح والتصالح، سيكون مناسباً ومفرحاً أن يهتبل هادي الفرصة، ويعلن في هذا الشهر قرار الاعتذار عن الحروب، وبعدها سيذكر التاريخ في صفحاته البيضاء: حدث في يناير 2013، أن أصدر أول رئيس يمني بعد ثورة 11 فبراير 2011، قراراً جمهورياً ينص على الاعتذار الرسمي عن الحروب التي شنها نظام صالح على أبناء الجنوب وأبناء صعدة، وكان هذا القرار مستهلاً لعهد جديد غدت فيه اليمن، أكثر أمناً وتسامحاً واستقراراً. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك