اليمن وعنق الزجاجة التي حشرت فيه منذ زمن ليس بالقليل, لتدخل في سراديب المقامرات السياسية والحزبية, فتقاسمها الضياع بين أهواء شخوص ومشاريع مجاميع ظلت لعقود تتراكم في مفاصل الوطن حتى أورثته الشلل وأقعدته في كل منعطف, فلم يستطع أن يبرح مقعده منذ ولد جديداً في زمن الثورات الماضية, فهل بعد محاولة ولادته الأخيرة من خلاص؟ نعم قد تكون متعسرة ولكنها ولادة. لقد كانت هناك حالة ولادة مبكرة، ولولا لطف السماء لكانت «خُدج», لذا فقد كانت تلك الولادة «الثورة» بحاجة إلى حاضنة صناعية لتداركها واستكمال مرحلة نموها الطبيعي, لذلك ظهرت المبادرة الخليجية كحاضن لهذا المولود، ولو رفضناها في قرارة فعلنا الثوري إلا أنه الكي الذي لابد منه. لقد كان لظهور المبادرة الخليجية بهذا التوقيت أقوى الأثر في حقن الدم وإنقاذ الثورة من الخروج من حسابات التغيير إلى حسابات الصراع المسلح والتصفيات السياسية, فمن خلال هذه المبادرة استطاع الجميع إيجاد موضع قدم ثابت نوعاً ما للتحرك في الاتجاهات الصحيحة لتغيير واستمرارية مفردات العمل الثوري, وإن لم ندرك ذلك على المدى القريب, فمن خلال تلك المبادرة أوجد اليمن التحرك الدولي والأممي مع قضاياه وأسس لمساحة قادمة من التقارب بين فرقاء العملية السياسية وصراعاتها في اليمن لتقود الجميع إلى طاولة الحوار, الذي يعد طوق النجاة الأخير لليمنيين بعد هذا التشظى الذي وصل إلى كل مرادفات حياتهم العامة والخاصة. ولعل القول : إن مؤشرات نجاح الحوار كبيرة في هذه المرحلة ليس حلماً أو تمنيات وإن كان من حقنا أن نتمنى ذلك خيراً لوطننا ولأنفسنا, ولكن تلك المؤشرات تتجلى في: أن حالات الاحتقان السياسي ومراكز الصراع في الخارطة السياسية اليمنية قد طفحت على السطح، ولم يعد هناك من مفقودات في عملية الصراع؛ فقد تجلى المرض بكل أعراضه على جسد الوطن, كما أن هناك دعماً وتوجهاً دولياً لتحريك الأوضاع في اليمن باتجاه مربع الحوار، وهذا الإجماع الدولي والغطاء يتماشى مع المصالح الدولية في اليمن، ولعل الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن الذي عقد في اليمن دليل على استراتيجية اليمن، والتوجه الدولي تجاه الوضع في اليمن والمسار الذي يسعى المجتمع الدولي إلى تشكيله. ومن جانب آخر الحوار القادم لا يستهدف مفردات الطيف السياسي فقط بل اتجه إلى مفردات العمل الجماهيري والتكوينات الشبابية التى هي أساس التغيير وجوهره والسياج الضامن لليمن القادم، وهذه إضافة لرصيد ضمان نجاح الحوار توالد هناك توجه وإجماع شعبي قوي للخروج من دائرة الصراع, مع وجود حالة من التنصل والالتزام الحزبي من قبل القيادات القاعدية والوسطى في الأحزاب لصالح الوطن ولو بشكل جزئي, ووجود الإشراف والمتابعة الحثيثة من المجتمع الدولي والإقليمي لمراحل الإعداد للحوار بل والعمل مع فريق العمل واللجان الفنية.. هذا يعطي مصداقية وطمأنينة لأطراف الحوار المستهدفة في المرحلة القادمة. حالة الفرز الواقعة في هذه المرحلة لمفردات ومراكز الفعل السياسي في اليمن التي تحاول الدول المعنية جاهدة للخروج بأفضل الموجود وإبرازه على المسرح السياسي للمرحلة القادمة معطيات في مجملها تعطي مؤشراً على حالة الانفراج لما بعد الحوار. رابط المقال على الفيس بوك