الانتقال من فبراير إلى مارس يشي بالتحول من برد الشتاء القارص إلى أجواء الربيع البديعة، حيث تتفتح الزهور، وتكتسي الأشجار حلتها الخضراء وتستأنف الحياة دورتها ... فهل يشهد مارس القادم تحولا سياسيا لليمن مناظرا لتحولات الطبيعة، يؤذن بانتقالها من حالة الاضطرابات، وجمود الحياة السياسية إلى انفراج شامل في مؤتمر الحوار الوطني ؟ ربيع اليمن يتجدد ذكراه، وينشغل البعض بالتحضير لاحتفالات ثورة 11 فبراير 2011م، والمطالبة باعتماده يوما وطنيا، وسط تحولات تؤشر إلى أن قادم الأيام، ستكون حاسمة، خاصة وقد أعلن يوم 18 مارس القادم موعداً لبدء مؤتمر الحوار الوطني. للحقيقة، فإن تقييم أي ثورة أو حركة تغييريه هي فيما تنتجه على الواقع، وما حدث قبل عامين، سواء أكانت ثورة أم حركة تغييرية، لما تؤتي أكلها، فحركة التغيير لم تنته، وفعلها ما زال مستمراً، وما ابتدأه الشباب في الثالث من فبراير 2011، وما اكتسبته حركتهم من زخم يوم ال11 من ذات الشهر بانضمام اللقاء المشترك للحركة الاحتجاجية، في اليوم الذي أعلن فيه حسني مبارك مغادرته السلطة، لم يكتب لها أن تؤول إلى ما يبتغيه مفجروها، لتستحيل إلى نصف ثورة، إذ كانت المبادرة الخليجية حلاً وسطاً، وسمت بأنها أفضل الخيارات، نتيجة عجز أي من الأطراف على حسم الصراع بعدما استحالت حركة التغيير إلى أزمة سياسية طرفاها المؤتمر والمشترك، فيما جرى تغييب دور الشباب، ولم يكن لهم أيما تمثيل في الوفود التي سافرت للرياض لتوقيعها، ومرد الأمر قلة الخبرة السياسية للشباب، عدم توافرهم على قيادات محددة، وضعف التنسيق والتنظيم. مهما يكن من أمر فالمبادرة الخليجية جنبتنا مآلات وخيمة، بعد الجمود الذي أصاب الثورة، وإن كانت الثورة نجحت في شيء حينها، فهو في إعادة مبدأ سيادة الشعب مفهوما وممارسة الذي جرى تغييبه آماداً طويلة، وفي إيصال أحزاب المشترك إلى السلطة مناصفة مع الحاكم، فيما لم يشهد النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي بعدها تغييرات كبيرة .. فالنظام الذي دائما ما يحلو لبعضنا وصفه ب(السابق) لا ينفك حاضرا بقوة، وهو يمارس أدواره المعيقة للتسوية السياسية، ولا تنفك النخبة السياسية والقبلية والعسكرية حاضرة بقوة تعرقل أيما مسارات لتغيير واقعي حقيقي، ربما جرى ضداً على مصالحها. غير أن ما عجزت عنه ثورة الشباب الشعبية، تحقق تالياً، بجهود الرئيس هادي الذي تولى مهمة إنجاز التسوية السياسية والتهيئة للحوار الوطني، بمتتالية قرارات، تستهدف إزاحة القوى التي لها أن تعيق مسيرة التسوية، وبناء جيش وطني يدين بالولاء للوطن لا للأشخاص.. غير جهوده في حمل كافة الفعاليات السياسية خاصة في المحافظات الجنوبية للدخول في الحوار الوطني وإعادة مد جسور الثقة ورد المظالم لأهلنا في تلك المحافظات.. ذاك أن الحوار لن يكتب له النجاح بدون مشاركة فعاليات الحراك التي لو تحققت مشاركتها، لأضحت مشاركة أطراف أخرى كالحوثيين أمراً بديهياً، خاصة وهي تتكئ عليه وتتوسله ذريعة لتبرير عدم مشاركتها. جهود الرئيس هادي ينبغي أن تعضد، فإن كان ما حققه الشباب نصف ثورة، فإن قراراته وحنكته السياسية في إدارة المرحلة الانتقالية، كفيل بملء نصف الكوب الفارغ، ولها أن تجعل من حركة التغيير ثورة كاملة، ومساندة جهوده داخليا وشعبيا بتعبئة الفعاليات السياسية والاجتماعية كافة وحملها على المشاركة في الحوار أمر لا مناص منه، في ظرف بالغ الحساسية، سيما وقد ترشحت تسريبات من أن قوى دولية وإقليمية، لا تريدها ثورة كاملة، وتخطط للاحتفاظ بمراكز القوى كأوراق ضغط، تتوسلها لاحتواء أي نظام قادم .. وهو مبعث قلقنا من أن تفشل جهود الرئيس هادي، في العبور إلى الجمهورية الرابعة المتولدة من رحم الحوار، التي ينبغي لها التأسيس لدولة مدنية حديثة، حيث المواطنة المتساوية مرجعيتها الوحيدة... وحينها فقط حينما يتحقق هذا الهدف، سنتفرغ للاحتفالات بفبراير واعتماده عيداً وطنياً. مهم أن يمثل الحوار كافة أطياف الشعب اليمني تمثيلا حقيقيا إلا أن مشاركة الجميع ليس حاسما في نجاحه ، خاصة وان بعض الأطراف كل يترصد بالآخر، ويسعى لإعاقته، فيما بعضها يعمل وفق أجندات دون وطنية، وما نخشاه طغيان هكذا أجندات على مؤتمر الحوار... فيما حملت الأيام الأخيرة تصريحات تؤشر لفرص متساوية في نجاحه وإعاقته.. ففي حين أعلن نائف القانص ناطق المشترك أن الحوار سيفشل، بمبررات واقعية ونسب التمثيل فيه وقانون العدالة الانتقالية وحيثيات أخرى، في تماه مع أطراف عديدة لا تنفك تعلن عن فشله، باختلاف الحيثيات.. ينحو حسن زيد احد ابرز قيادة المشترك منحى أكثر تفاؤلية، حين يعتقد نجاح الحوار، مستندا إلى جهود الرئيس هادي كرئيس توافقت عليه كافة الأطراف، ودعم المجتمع الدولي.. وهو ما نتمناه وإن كنا نعول على اليمنيين فقط في إنجاحه.. فالحل أولا وأخيرا لابد أن يكون داخليا، بتوافق أبناء البيت الواحد. نحن على مشارف مؤتمر الحوار ولم يتبق لساعة الصفر غير أسابيع، فهل يمكن لمارس 2013 أن يشهد ما كان في مارس 2011.. رغم مأساوية ما حدث يوم الثامن عشر منه (جمعة الكرامة) حينما سالت الدماء في ساحة الجامعة بصنعاء، إلا أنها أكسبت حركة التغيير زخما غير عادي، وشكلت انعطافة هامة في مسيرتها، وبعدما كان المحتجون في ساحة الجامعة بالآلاف، صاروا بعشرات ومئات الآلاف، وكانت إيذاناً بسقوط النظام، فهل يشهد مارس 2013 بداية الولوج إلى دولة مدنية حديثة ومنظومة سياسية وإدارية فاعلة، تحقق حلم الغالبية الساحقة من اليمنيين، وتؤسس لربيع اليمن الدائم...!!؟ [email protected] رابط المقال على الفيس بوك