لاحظ علماء التاريخ أن الإنتقالات الكبيرة في المجتمعات البشرية ترتبط بثنائية السبب والنتيجة، لكنها هذه الثنائية التي تبدو منطقية، تتجاوز في الغالب المنطق، لتنجز وعداً كان بعيداً، وحقيقة لم تدر بخلد أحد ، وقد درج الفلاسفة على تجيير المفاجآت والغرائب في تطور المجتمعات البشرية لقانون الصدفة النابع من الضرورة، وعند علماء الجدل الفلسفي قانون آخر هو قانون التراكم الكمي الذي يؤدي إلى تحول نوعي.. بهذا المعنى تحدث الطفرات غير المتوقعة والانتقالات الحادة، ولعل مثالي روسياوالصومال خير شاهد على ما نذهب إليه، مما يستحق بياناً واضحاً . في الحالة الروسية جاء انهيار الاتحاد السوفيتي خارج نطاق كل التوقعات حتى بدا كما لو أنه سقوط حر لحجرة اندفعت من علياء شاهق كبير فاستقرت في وادٍ سحيق.. ثم جاءت لحظة التفكك الحر أيضاً، لتلك المنظومة الكونية الهائلة، لنشهد انبثاق روسيا الضعيفة الواهنة من مخاض التحول والتفكك، وخلال أيام المتطير الكبير (يلتسن) كادت روسيا أن تنقرض ككيان، ونهش في جسدها الفساد المافيوي، والنهب الكبير، حتى جاءت لحظة انتقال ناعم بتسليم السلطة لشاب فتي هو (بوتين)، وخلال عقد من الزمان لم تتعاف روسيا فحسب، بل استعادت منعة الاتحاد السوفيتي القديم ، مضافاً لها تطلع كبير نحو دور مركزي في العالم المعاصر، وها نحن اليوم نشهد ذلك النمو غير المسبوق في روسيا المركزية والتعددية وفق رؤية خاصة جداً. هذه الحالة نجد لها مقابلاً تاريخياً في أفق ما، فانهيار نظام سياد بري في الصومال بدا مفارقاً تماماً لأي انهيارات محتملة في تلك الأيام، فلم يسقط النظام بانقلاب عسكري كما كان يجري الحال على عهد الحرب الباردة، ولم يكن يفتقد البنية المؤسسية العسكرية والأمنية، ولم يكن يفتقد الولاءات الكفيلة بسحق أية محاولة للتغيير، لكن سبباً واهياً كان بمثابة المقدمة الغرائبية لانهيار النظام على حين غفلة من تاريخ المنطق والتفسير.. لقد سقط النظام أمام حفنة من المقاتلين الشباب المسلحين برشاشات الكلاشنكوف، فيما سلم الجيش معسكراته وسلاحه الثقيل وكأن قياداته تعيش حالة من التنويم المغناطيسي. هاتان التجربتان تؤكدان لنا أن قانون التاريخ لايفهم المنطقين الشكلي والعقلي، ولهذا السبب على بقايا المغترين المتجبرين استيعاب الرسالة ومباشرة إصلاح الذات قبل أن تقع الواقعة من حيث لا يحتسبون رابط المقال على الفيس بوك .