مع نهاية القرن العشرين الماضي كانت روسيا الاتحادية على مشارف الانهيار السياسي والاقتصادي التام الذي جعل هذه الدولة على وشك الاحتضار مع بداية القرن الحالي نتاج عدة أسباب في طليعتها الانعكاسات السلبية القاتلة لانهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي في 1990م وانقسامه إلى عدة جمهوريات في 1991م وسقوط المنظومة الاشتراكية ووفاة المعسكر الشرقي “حلف وارسو” في 1991م أيضاً والذي حمّل روسيا الاتحادية القلب النابض للاتحاد المفكك تبعات وأعباء كثيرة هددت بسقوط الدولة الروسية وانهيارها, علاوةً على سوء الإدارة التي زادت ضعف الدولة ضعفاً بالتزامن مع محاولات القوى الغربية للقضاء على كل مقدرات الاتحاد السابق وتدمير قدراته كلياً في عقر داره روسيا الاتحادية وخلال 1999 2000م أوشكت روسيا الاتحادية على الانهيار الكلي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ليشكل ذلك انهياراً للعمق السوفيتي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ككيان سياسي ودولة عظمى تشكل القطب الثاني للنظام الدولي طوال نصف قرن بين عامي “1945 1990”وقد بدا ذلك واضحاً وجلياً للعالم عند استلام الرئيس “فلاد يمير بوتين” مقاليد الحكم ورئاسة جمهورية روسيا الاتحادية في 2000م ورغم الظروف الصعبة والمعقدة لهذا البلد في ذلك الحين فقد تمكن الثعلب الروسي فلاديمير بوتين على مدى سنوات حكمه للبلاد من إنقاذ روسيا الاتحادية من الانهيار المحتم والمضي بروسيا في قلب الأمواج المتلاطمة والعواصف والتحديات إلى شواطئ الأمان رويداً رويداً حتى تمكن من إعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي المفقود وإعادة روسيا الاتحادية إلى مصاف الأقوياء واضعاً نصب عينيه حلم العودة واستعادة دور ومجد وقوة الاتحاد السوفيتي السابق باعتبار أن روسيا الاتحادية هي الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد,بل تمكن من إعداد خطط عملية فاعلة لتحقيق هذه الغايات العظام التي بدت مستحيلة في نظر العالم برمته وأفراداً وساسة .. لكن هذه الخطط حققت نجاحاً تاماً وأعادت الروح الروسية إلى الحياة لتشرع في إقامة قواعد الانطلاق واستعادة المجد والدور الروسي الذي عرفه العالم زمن الاتحاد السوفيتي، ومع تولي الرئيس دمتري ديمتريف رئاسة روسيا وتولي فلاديمير بوتين رئاسة الحكومة عام 2008م توحدت جهود الرئيسين نحو البناء والتطور وتحقيق الأهداف النبيلة المرسومة والهادفة إلى بعث الاتحاد السوفيتي مجدداً في ثياب وريثه الشرعي روسيا الاتحادية، وهاهي اليوم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هذا الحلم بعد أن تمكنت من فرض ذاتها على الخارطة السياسية للعالم اليوم كدولة عظمى غير قابلة للتجاهل أو التطويع أو هيمنة الآخرين عليها أو المساس بمصالحها القومية والوطنية أو المساومة فيها. وفي غمرة هذا الانطلاق الروسي الجديد استعادت روسيا الاتحادية كثيراً من علاقاتها مع دول العالم ومدت جسور العلاقات الثنائية مع كل الشعوب والأمم والدول بغية إقامة علاقات ثنائية نظيفة تقوم على الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح والمنافع المشتركة والطموحات والتطلعات. وكانت اليمن في طليعة الدول التي استعادت ألق العلاقات مع روسيا مبكراً وشهدت هذه العلاقات الثنائية تنامياً وتطوراً مطرداً غير مسبوق خلال السنوات السبع الماضية تشكل نموذجاً فريداً في علاقات الدول الكبرى بالدول النامية أكدتها زيارات الرئيس علي عبدالله صالح المتكررة لموسكو ولقائه بالقيادة الروسية والمواقف الروسية في اليمن طوال هذه السنوات المتسمة بالوفاء والمصداقية والدعم غير المشروط والحرص التام على تبادل المصالح والمواقف الروسية المتكررة المؤكدة على دعم اليمن ودعم وحدته وأمنه واستقراره ومساندته في وجه كل التحديات انطلاقاً من عمق الروابط الوثيقة التي تربط البلدين والشعبين، وقبل أيام أكد سفير روسيا الاتحادية بصنعاء على موقف روسيا المؤيد والداعم لليمن في الحفاظ على وحدته وأمنه واستقراره منوهاً بالعلاقات الحميمة التي تربط موسكو وصنعاء وخصوصاً بين الرئيس علي عبدالله صالح وبوتين لتشكل امتداداً لمواقف الوفاء الروسي الدائم لليمن وتعكس عمق الروابط الوثيقة بين البلدين والصداقة الحقة. إن تنامي العلاقات بين روسياواليمن بمرور الوقت يشكل قاعدة راسخة لتحقيق المصالح المشتركة بين البلدين والدفع بالعلاقات الاقتصادية ذات الآفاق الواسعة إلى واقع متميز خاصة وأن اليمن تشكل أرضاً خصبة لاستثمارات روسية في مجالات متعددة من النفط والغاز والصناعات النفطية ومشاريع الطاقة وغيرها من المشاريع الاستثمارية الضخمة والاستراتيجية التي تمثل ركيزة وتطوراً لليمن وتعود على الجميع بالمصالح والمنافع المشتركة التي تخدم كلا البلدين، كما أن الموقع الاستراتيجي والجغرافي المتميز لليمن المطل على البحرين الأحمر والعربي وعلاقاتها الوثيقة والمطردة مع دول المنطقة وعلى وجه الخصوص دول القرن الافريقي يكسبها أهمية كبيرة ويجعلها من الأصدقاء المميزين لروسيا الاتحادية والتي تدرك أيضاً ان من الطبيعي أن تواجه اليمن تحديات مستمرة.. ونتاج عمق العلاقة الحميمة فإن روسيا تضع في حسبانها واعتباراتها دوماً مسألة التعاون مع اليمن ودعم كل جهوده المبذولة من أجل ضمان استقراره وأمنه والحفاظ على وحدته باعتبارها إحدى مقومات وضمانات الاستقرار في المنطقة وبالذات الجزيرة والخليج، وعلى مدى العقود الزمنية الماضية أكدت سجلات التاريخ الحديث ان روسيا هي الدولة الكبرى الأكثر وفاءً ومصداقية والتزاماً في علاقاتها مع الدول النامية في الشرق العربي. وطوال فترة الاتحاد السوفيتي إبان الحرب الباردة (1945 - 1990م) كانت للروس بصمات واضحة في النماء والتطور وتعزيز القدرات الدفاعية للبلدان التي ارتبطت بعلاقات وثيقة معها والذي بدوره يعطي للعلاقات مع روسيا الاتحادية المتطلعة اليوم معاني مهمة وألقاً وإشراقاً وأهمية كبرى تختلف عن بقايا الدول الكبرى المتواجدة على الساحة اليوم لذا أصبح خيار الاتجاه شرقاً هو خيار أغلب دول العالم الثالث في علاقاتها وارتباطاتها الوثيقة.