تداعت الأوضاع في روسيا الخارجة من معطف الامبراطورية السوفيتية المنهارة ، وتوالت متواليات السقوط على كافة المستويات، مسجلة أخطر مظاهرها المحلية والإقليمية والدولية في عهد الرئيس يلتسن ، وبالمقابل تبلورت نزعة قومية روسية تعتبر نفسها الوريثة الشرعية لإيجابيات التجربة الإشتراكية، دونما إقامة في النموذج الشيوعي السابق، وشاءت الأقدار أن يتم اختيار الشاب الفتي بوتين ليكون رئيساً للوزراء ، ومن ثم رئيساً لروسيا الإتحادية، وباختيار شخصي من الرئيس الواهن المريض يلتسن، الذي أدرك قبيل رحلة المرض والوفاة أن روسيا الكبرى تتآكل من داخلها ، وأن شاباً فتياً بمواصفات بوتين قد يساعدها على الخروج من النفق المظلم . بوتين ومنذ البدايات الأولى عقد العزم على أن تتحول روسيا إلى وريث شرعي للاتحاد السوفيتي، من خلال استعادة مجد القوة الاستراتيجية المقرونة بدور قادم وناجز في الحياة الدولية ، ولهذا السبب بالذات بدأت متوالية الحصار المنهجي لرؤوس الأموال الطفيلية التي عملت على تفريخ المافيات، ونشرت الجريمة والقتل ، واعتمدت كثيراً على التعصب القومي الفاشي . خلال العقد الأول من رئاسة بوتين كانت الحرب الداخلية ضد الانهيار والبؤس هو الأساس ، وقد تمكنت روسيا في ذلك العقد من استعادة بعض عافيتها مسجلة نسب نمو لافت، بلغ في المرحلة الأولى 8 في المائة ، ثم تراجع تحت وطأة الأزمة الإقتصادية الدولية إلى مايقارب 5 في المائة ، الأمر الذي أعاد الحياة لروسيا في البعد الأورو آسيوي ، سواء من خلال تمتين علاقات المنفعة المتبادلة مع فنائها الخلفي بأوكرانيا وبيلا روسيا،ومولدوفا، وأزبكستان، وقرقيزستان ، وكازاخستان، وصولاً إلى الصين ، التي أصبحت اليوم تشكل العمق الأكثر حيوية للتبادل التجاري التقني مع روسيا . [email protected]