بالأمس تحدثنا حول الكيفية التي استأصلت بها إيطاليا شأفة المافيا الإجرامية، وأوضحنا أنه لولا القرار السياسي المدعوم بتحرك عسكري شامل ضد زعماء العصابة لما خرجت إيطاليا من محنة القتل اليومي في الشوارع، والإضعاف المنهجي للدولة. وسنتحدث اليوم عن حالة أُخرى تتعلق بروسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث بدأت المافيا الروسية الإجرامية في مباشرة سرقة مكشوفة للمال العام، توازت مع قدر كبير من غياب القانون والنظام، وضعف هيكلي للدولة.. لكنهم لم يتوقفوا عند حدود السرقة المالية العاتية، بل بدأوا ينشرون ثقافة عنف غير مألوفة، حتى أنهم استبدلوا أجهزة حماية الشرعية بأجهزة مافيوية تفرض الإتاوات على الآخرين، وتباشر ما نسميه في آداب فسادنا الفولكلوري «حق الحفاظة» و«حق الحماية»، مما هو معروف لدينا منذ عقود خلت. أدرك “يلتسن” العليل أن روسيا ذاهبة إلى تآكل وفناء مؤكدين، وكانت صحوة استثنائية منه عندما سلم مقاليد الحكم لخلفه الشاب الفتي “بوتين”.. ذلك الخارج من رحم العسكرية السوفيتية، والموصوف بالشدة والثبات. قال له يلتسن بصريح العبارة: ابدأ من الكرملين. وكان يلتسن يدرك أن ابنته وزوجها والمقربين منهما قد بدأوا يحولون الكرملين إلى وكر جديد للمافيا. عندما بدأ بوتين بالإصلاح لم يتردد كثيراً، ولم يتراجع قيد أنملة في استهداف وكر الدبور، ممثلاً في العُتاة الثلاثة الذين أزكموا الأنوف. قامت سلطات حماية الشرعية بتنفيذ التفويض القانوني باعتقال الثلاثة، وفي المحكمة طلب منهم طلباً واحداً ومحدداً: عليهم تبرير المليارات التي جنوها، ومن أين جاءت ؟. مرت سنون طويلة ولم يتمكن رؤوس المافيا من الرد على السؤال، وبالمقابل تعافت روسيا خلال نفس الفترة، وتحول اقتصادها الفاشل إلى اقتصاد نماء، وازدهار، وعادت الحياة لمفاصل الدولة، وحُلَّت مشاكل الشيشان ودول الجنوب الروسي بعامة، وتقاربت الكيانات السوفيتية السابقة لتمثل روسيا الاتحادية ملجأ لها في النوائب والمُلمات. وما كان كل هذا ليحدث لولا مُجابهة رؤوس المافيا، وقتل جرثومة الموت الشامل لعموم الناس. نحن في اليمن بحاجة إلى مثل هذا الإجراء الحاسم والحازم، ضد مُفجري الأنابيب، وقاطعي التيار الكهربائي، والطريقة الوحيدة للحسم تبدأ بالرؤوس المجرمة التي تقف وراء هذه الأفعال الأثيمة. هؤلاء محاسبون بقتل مئات المرضى في المستشفيات، وتجويع ملايين الأطفال في المنازل جراء تلف المواد الغذائية، وإتلاف أطنان الأدوية في المستشفيات والصيدليات والمنازل، فلماذا كل هذا الانتظار المريب؟ المنفذون “الأشاوس” لقتل اليمانيين عبر تجفيف منابع الحياة لن يكونوا أخطر من بطل اليونان الأُسطوري “ أخيل”، الذي مات برمية سهم في كعب رجله!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك