أفضى انهيار الاتحاد السوفيتي أو سقوطه الحر إلى جملة من التداعيات أبرزها التخبط الروسي في عهد يلتسن، والخرائب الاقتصادية والاجتماعية في بولندا وبلغاريا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية التي التحقت سريعاً بالغربية، فيما فقدت أبرز مميزات نظامها السابق، وعلى خط متصل باشرت تلك البلدان مايُسمى «التحول بالصدمة» والذي أدى إلى نتائج وخيمة أعادت إلى الأذهان الحكمة وبعد النظر الصيني، فالصين الشعبية رفضت ذلك النوع من التحول، وقالت بالتحول المتدرج الذي يبقى على أفضليات الاشتراكية، فيما يباشر اقتصاد السوق الحر بقدر الضرورة والمنطقية في تلك المُباشرة. قال الزعيم الصيني الراحل دينغ تسياو بنغ : ليس مهماً ما لون الهرة، بل المهم أن تجيد اصطياد الفئران . وقبل ذلك بعقود قال ماوتسي تونغ : دع مائة زهرة تتفتح .. دع مائة مدرسة فكرية تتبارى. أثبتت الأيام صحة ومصداقية ماذهبت إليه الصين، كما أثبتت تهافت واستيهامات ماذهب إليه السوفييت على عهد غورباتشوف، والروس في عهد يلتسن، غير أن يلتسن استطاع أن يعصف بكامل قناعاته وسلبياته يوم أن قرر تسليم السلطة للشاب الفتي «بوتين» ومنحه كافة الصلاحيات التي تجعله أميناً على مجد روسيا وتاريخها العريق، وهذا ماحدث بالضبط، فقد تعافت روسيا بأسرع من البرق، وكانت البداية عندما تم اعتقال رموز مافيا المال والفساد، ثم الشروع في إعادة تنمية مؤسسات الدولة، وتقاليدها الصناعية والعسكرية، وخلال سنوات حكم «بوتين» قامت روسيا بسلسلة من التجارب الصاروخية اللافتة، وأعادت إحياء برامج الفضاء والصناعة العسكرية الاستراتيجية، فيما حققت نمواً اقتصادياً لافتاً، واستطاعت مُحاصرة فضائح سنوات التحول بالصدمة، وقامت بدور حكيم ومتوازن في السياسة الدولية. وما يهمنا - نحن العرب - في هذا الصدد تلك الزيارة الاستثناء للرئيس «بوتين» الذي كان أول زعيم عالمي يزور قبر الراحل الشهيد ياسر عرفات، كما أنه وأثناء زيارته لإسرائيل رد على استفزاز المذيع التلفزيوني اليهودي الذي تساءل مُستنكراً حول تزويد سوريا بصواريخ أرض جو روسية حديثة الصُنع ، فقال له «بوتين» بكل صرامة ووضوح : حتى لانسمح للطيران الإسرائيلي بالتجوال فوق قصر الرئيس بشار الأسد !! ، فاُسقط في يد السائل ، وكانت الرسالة واضحة.