مارس الزعيم الصيني «ماوتسي تونغ» ضرباً من المركزية البراغماتية الذكية مُستعيناً ببصيرته النافذة وشاعريته الملهمة ولغته الغنائية فقد حاول تدوير المعادلة المركزية باتجاه تكريس نفسه وحزبه ولكن بلغة أكثر نعومة حيث دافع عن التعددية الداخلية في الحزب الواحد وهو يرفع شعار «دع مائة زهرة تتفتح .. دع مائة مدرسة فكرية تتبارى». ولسنا هنا بصدد مناقشة مصداقية أو ترجمة مثل هذا الشعار على الواقع بل يكفي الإشارة إلى أن القادة الأكثر قرباً من المعرفة والذائقة يقرون بذلك حتى وإن مارسوا عكس ذلك . ولعل هذه المرونة في التنظير تجعلنا نعرف خصوصية الاشتراكية الصينية بوصفها اشتراكية لا تتمسك بالنزعة المدرسية إلى أبد الآبدين، وهذا ماحدث بالضبط حينما بدأت الصين في ماسمي حينها بسياسة «العصرنات الأربعة» والتي انطوت على انفتاح مدروس مع المناهج الاقتصادية لبعض البلدان الرأسمالية وخاصة اليابان.. الأمر الذي مهّد الطريق لتحولات لاحقة مداها ماقاله دينج تسياو بنج : ليس مهماً مالون الهرة بل المهم أن تمسك بالفأر. هذه المرونة التجويزية لتجاور المناهج هو مايفسر حيوية الاقتصاد الصيني وقدرته على الصمود أمام طوفان العولمة المركزية للرأسمالية الحديثة الأكثر شراسة ووضوحاً في تعميمها للمنهج الواحد . أثبت التاريخ تهافت المقولات والممارسات الصادرة عن تعميم النموذج الواحد .. فقد فشلت الأمميات الاشتراكية لأنها قبعت في أساس النموذج الواحد.. وفشل الاستعمار لأنه أراد إلغاء الآخر.. وفشلت النماذج القومية المتعصبة لأنها لم تمسك بحكمة التعايش والتثاقف مع الآخر الإنساني.. وفشلت المركزيات السياسية والإدارية والمالية الشديدة لأنها لم تحترم التنوع والمباريات الحرة بين المصالح والرؤى المختلفة.