في الفترة التي تلت الانهيار الحُر للامبراطورية السوفيتية، تبنَّت الإدارة الأمريكية مشروعاً واسعاً للمناجزة والمحاصرة الإجرائية والعملية لروسيا الجديدة؛ دونما احتساب دقيق لاحتياطات روسيا الكبيرة والقادرة على استعادة مجد السوفييت؛ لكونها تمثّل ثمانين في المائة من العمق السوفييتي السابق. بدلاً من ذلك الاحتساب المنطقي السياسي، وتداعياً مع معادلة الظفر السياسي الكبير بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حدّدت الإدارة الأمريكية البيئة الخاصة بتمدد ثعبان «الأناكوندا» الأمريكي المتمثلة في الخاصرة الروسية الأكثر هشاشة في منطقة القوقاز والجنوب الروسي بعامة، وكان الهدف الأمريكي متجهاً نحو جملة البلدان الخارجة لتوّها من كنف الاتحاد السوفيتي، وفي المقدمة منها أوكرانياوجورجيا، بالإضافة إلى روسياالبيضاء ومولدوفيا في الشرق الأوروبي، والثلاثي «طاجكستان وأوزبكستان وقرقيزستان» في آسيا، وكان لجورجيا اليميني المتأمرك «تشاكسفيلي» دور مشهود في التحريض ضد روسيا وإقلاقها على خط أبخازيا وأوسيتا الجنوبية، لكن القيصر بوتين لم يمهلها طويلاً وباشرها باكتساح معلن، واعتراف ناجز بجمهوريتي أبخازيا وأوسيتا الجنوبية المنفصلتين حالياً عن جورجيا. ولعل هذه الواقعة الأخيرة والسكون المريب للإدارة الأمريكية شكّلا سبباً وجيهاً لبقية جمهوريات «أوراسيا» السوفيتية السابقة والتي بدأت تتخلَّى تباعاً عن تحالفها الملازم لواشنطن، واضعةًَ في عين الاعتبار ما آلت إليه جورجيا «المتمردة» على بوتين. كان من الطبيعي والأمر كذلك أن يعيد حلفاء السوفييت السابقون في أوروبا الشرقية النظر في قواربهم التي أبحرت دون تحفُّظ في اتجاه واشنطن، وقد لاحظ المراقبون أن تلك الدول بدأت تعيد توزيع مراكبها في أكثر من اتجاه، مع استعادة متدرّجة للعلاقات التاريخية التقليدية مع الشرق، وتربّعت موسكو على قلب المعادلة الجديدة، لكونها مصدر الطاقة لكامل تلك الدول.. وللحديث صلة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك