في الأيام الأولى للحرب التي شنتها إسرائيل على المقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله- في العام 2006- تناولت الحدث في عمودي الأسبوعي في صحيفة 26 سبتمبر, واختتمته بالقول: هذه الحرب لن تخرج بنتيجة خارج ماأتوقعه بالآتي: إن تمكنت إسرائيل من كسر الشوكة العسكرية للمقاومة اللبنانية فإن حزب الله قد يلجأ إلى أسلوب المقاومة غير المواجهة أو المغلفة بالعمل السري، مستخدماً كل مابمقدوره وفي أكثر من مكان في العالم, وهذا ماسيجعل إسرائيل والصهيونية عموماً في مواجهات مستمرة مع مقاومة يصعب القضاء عليها بحرب مواجهة أو عملية اجتياح. وإن تمكنت المقاومة اللبنانية من الصمود وإلحاق الخسائر بإسرائيل وجيشها ومد يدها إلى داخل الكيان الإسرائيلي, فإنها لن تزداد إلا قوة خاصة وقد أسقطت أسطورة الجيش الذي لايقهر, الأمر الذي سيعزز من خيار المقاومة لدى الشباب العربي ومن تجرعوا مرارة الغطرسة الإسرائيلية في أكثر من بلد عربي. ويوم نشر العمود- المشار إليه- التقيت مصادفة بأحد الذين يعتبرون أنفسهم من جهابذة الإعلام الرسمي, وبادرني بتعليق على ماتوقعت, وبأسلوب ينضح بعدم القبول إن لم أقل تبطن بالتريقة كما يقال.. وهانحن اليوم إذا ماوقفنا أمام نتيجة الحرب التي شنها الكيان الإسرائيلي على المقاومة اللبنانية في العام 2006 نجد أن شوكة المقاومة لم تنكسر, وشكيمتها لم تهزم وأنها ازدادت قوة وتهديداً لإسرائيل وجيشها وصارت تلوح بل تحذر بالرد بمثله وبما يساوي العدوان والوصول إلى أي موقع ومكان ومنشأة في إسرائيل، الأمر الذي دفع بقادتها وزعمائها لأخذ الأمر بكل جدية وخوف, حتى وجدوا أن ليس أمامهم سوى العمل بأسلوب مختلف, أو مراجعة جدوى كل الأسلحة التي استخدمت وتستخدم لإضعاف العرب والمسلمين عموماً وتحقيق مايكفل الأمن والتفوق لدولة إسرائيل، وتحديداً بعد بروز النتيجة الثانية للتوقعات المشار إليها وهي انكسار حاجز الخوف وإمكانية إلحاق الخسائر بالجيش الإسرائيلي, وهذا مالمسناه جلياً في صمود المقاومة الفلسطينية في وجه الحرب التي شنتها إسرائيل في غزة بغرض اجتياحها وتصفية المقاومة أو التخلص من مقاتلي حماس الذين خرجوا من الحرب أكثر صلابة وأرفع معنوية بوصول أذرعتهم العسكرية إلى حيث لم يكن يتوقع قادة إسرائيل, وانتصرت المقاومة بحكم ميزان التوازن العسكري في إطار هذه المستجدات, وبقاء سوريا على رأس جبهة الممانعة وعزم العراق على التشافي- التدريجي- من أمراضه ومواجعه, ليستعيد موقعه في المقاومة والصمود.. والتوجه القومي العروبي. في هذا السياق رأى قادة إسرائيل إعادة النظر في أسلحتهم, فلم يجدوا في جعبتهم- كما يقال- غير الاعتماد الكلي على سلاح أشار به حكماؤهم في الصهيونية العالمية منذ عقود ليجعلوا منه رأس حربة التخطيط والعمل الاستراتيجي, للنيل من العرب أولاً والمسلمين ثانياً بما يكفل لإسرائيل البقاء والتسيد, إنه سلاح المذهبية أو النّخْر من الداخل, أو تآكل الجسد العربي الإسلامي والقضاء عليه بالتمزق والبغضاء والتناحر الدموي, وأحقاد التعصب الأعمى المماثلة للنار في أكلها لبعضها.. وهذا ماتشهد به وتدلل عليه كل الشواهد من باكستان إلى تونس كلما هبت ريحة كريهة من روائح التكفير والتطرف القائم على استباحة دم وعرض ومال الآخر وليس عدم القبول به فقط. كل شيء يدل اليوم على مخطط في منتهى الخبث والمكر واستغلال الجهل والعصبية المقيتة, هدفه تمزيق العرب والمسلمين والإجهاز عليهم بسلاح المذهبية التكفيرية، وإلقاء نظرة عابرة سريعة على مايجري تتضح أمور شتى ومنها القتل الجماعي- بهدف القتل فقط- الذي تكاد عمليته الإجرامية الوحشية تنحصر على دور العبادة وعند خروج المصلين, وتجمعات المناسبات والزيارات الدينية, وتجمعات انتظار العمال والباحثين عن التجنيد في السلك العسكري والفنادق والمدارس والأحياء السكنية وتجمعات العزاء, وأتوبيسات النقل الجماعي.. إلخ، ويصل الأمر إلى استباحة دماء المفتين والعلماء في المنابر وخارجها, وإلى التنكيل بقطع الأيدي والرؤوس وإحراق الجثث, وقتل الأسرى بأكثر من وسيلة بشعة وأسلوب وحشي الحقد.. ولم يتوقف أمر هذه الأعمال الإجرامية المذهبية التكفيرية أو ينحصر على البلدان العربية, بل أطل بقرونه الشيطانية من دول إسلامية أو بها طوائف إسلامية كباكستان وأفغانستان والهند.. وغيرها, حيث يتم ذلك بأموال عربية وبأيدي من انساقوا في المخطط المريع ومن عصبوا أعينهم لتنفيذه بحجة مقاومة ظلم, أو إنصاف للأقليات من هيمنة الأغلبيات, أو دفاع عن الأكثرية المغلوبة أمام الأقلية المتحكمة، وغير ذلك من المغالطات الهادفة إلى تمرير المخطط الهادف إلى تمزيق الصف العربي والإسلامي عموماً بخناجر المذهبية المشرّبة بالحقد والضغائن التي لاتمحوها السنون .. والدفع بالضحايا إلى بيت القصيد من كل ذلك..أو المرحلة الثانية للمخطط وهي الحرب والتناحر بسيوف المذهبية سنية وشيعية وتفرعوا إلى مايشمل المذاهب والطوائف الإسلامية الأخرى، وبما أن ضمان أمن وتفوق إسرائيل هو الهدف والغاية المبرِرة لكل مانشهده من وسائل قذرة تنفذ بأيدٍ وضمائر أكثر قذارة, فإن التمزيق والتدمير قد تجاوز التهيئة للحروب المذهبية إلى الإعداد أيضاً لحروب دينية على الساحة العربية وماتتعرض له الكنائس وأتباعها من اعتداءات بربرية لاتقل تأثيراتها في النفوس وزرعها للأحقاد عن آثار تدمير دور عبادة المذاهب المستهدفة ونبش قبور الصحابة والأولياء وإحراق عظامهم.. إنه العمل من أجل التمزيق والتدمير والإنهاك بالحروب المذهبية أولاً والدينية ثانياً, وكأنهم بهذا وبعد عدم تحقيق المراد وضمان تفوق وأمن وهيمنة إسرائيل قد لجأوا إلى الطلقة الأخيرة, تلك الطلقة التي يحرص من لم يبق لديه سواها على شيئين لاثالث لهما, إما أن يصوبها نحو رأسه مفضلاً الموت وإنهاء حياته أو يصوبها نحو خصمه على أن تكون في مقتل وإلا تضيع سدى.. وهنا يبرز سؤال يقول: هل سينجح عدونا ويتمكن من إصابتنا بمخطط الطلقة الأخيرة في مقتل؟ أم سننجح في أن نجعله يصوبها نحو رأسه, بعد أن نعي أبعاد مايحاك لنا, وينتصر الصمود المقاوم أمام الفتنة الكبرى أو الطامة الكبرى بعبارة أدق. رابط المقال على الفيس بوك