مرت كثير من شعوب العالم في هذا الكون.. بظروف عصيبة وقاسية للغاية بقدر ما عانت أوضاعاً متردية ومزرية لا حوالها، الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية، والفكرية وغيرها ولكن رغم ذلك استطاعت أن تنتشل أوضاعها ابان حقبها التاريخية التي عاشتها آنذاك وإن تستعيد حياتها وأمورها إلى المستوى المطلوب في جوانبها المختلفة نتيجة لتعاطيها مع ظروف واقعها بالطريقة المثلى ووفق ما تقتضيه متغيرات الحياة، لكل شعب من هذه الشعوب وذلك بعد أن تمكنت من أخذ زمام الأمور بيدها والخروج من ذلك النفق المظلم الذي كان جاثماً عليها لفترة من الزمن وأن تتحرر من أسر تلك النظم السياسية المستبدة فيها والانطلاق نحو آفاق رحبة جديدة بما يخدم شعوبها ويلبي احتياجاتها المادية، والروحية دون تثبيط لطموحاتها وأفكارها ومفاهيمها الفلسفية والعلمية، والتي أضحت بعدئذ بمثابة البوصلة التي تستنير بها في شتى علومها الإنسانية لأنها فعلاً اعتمدت على عقل الإنسان فيها وحررته من القيود والخزعبلات والخرافات التي كانت تسيطر على حياته ..سابقاً وهذا ما جعلها خلال فترة من الزمن أن تتجاوز أوضاعها المأساوية التي كانت تعيق من مسار تطورها ونهضتها إلى الأمام وهذا ما هو ماثل أمامنا اليوم لتلك الشعوب وما بلغته من ذروة في التطور الاقتصادي، والاجتماعي، والعلمي، والتكنولوجي...وغيره لكون هذه الشعوب لم تستكين على حالها بل أخذت تنمي من قدراتها وتوفر لها كل الاحتياجات الممكنة دون عبث لكرامتها أو حريتها أو فكرها أو رأيها أو لقمة عيشها في هذه الحياة. بينما نحن كشعوب عربية لازلنا نعيش في حالة من الاغتراب الداخلي، وكأننا بعيدون عن واقعنا ويعود ذلك لتلك النظم السياسية السابقة التي عملت على تكريس الظلم والاستبداد وعدم إبداء، أو إطلاق الحريات العامة لشعوبها.. حتى تتمكن من ممارسة حقها في المشاركة المجتمعية سواءً من حيث حرية الفكر أو الرأي أو إبداء الحقيقة فيما ينبغي قوله ولكن أمراً كهذا لم يكن مسموحاً به إلا فيما ندر.. وبالذات حال ما تكون هنالك فترة أو حقبة تاريخية معينة وهذا ما يتبين من خلال إنشاء الدولة العربية الإسلامية.. وما تلتها من دول متعاقبة عليها.. وحتى هذه الفترة لم نر بأنه أتيح أو سمع للإنسان العربي بأن يشارك في صنع القرار السياسي وان وجد في دولة ما.. فالمسألة عبارة عن تسويف أو مشاركة ديكورية، لا أقل ولا أكثر ناهيك عن عدم السماح له بممارسة حريته الفكرية والسياسية والثقافية وغيرها.. كما هو موجود في الدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار مئات السنين رغم إننا كنا متقدمين كعرب على غيرنا في مجالات شتى وخاصة أثناء ما كانت دولة العرب في الأندلس، حيث أنتج فيها أفضل المؤلفات والكتب العلمية والفلسفية.. والطبية.. والفلكية وغيرها. ولكن.. هل استفدنا من كل هذا.. لا أعتقد، بل أقدر أقول بأن الدول العربية في الأندلس كان قد ساد حكمها في بعض الفترات نوعاً من الاستبداد الفكري. الأمر الذي أدى آنذاك إلى التضييق على المفكرين والفلاسفة.. المستنيرين برؤاهم وأفكارهم، الثقافية ومن ثم إعدامهم.. ومن هؤلاء أبن رشد وأبن حزم.. ناهيك عن ما حدث للكثير من الفلاسفة والعلماء العرب والمسلمين، إبان الفترات التاريخية السابقة لدولة الخلافة الإسلامية.. سواءً حال ما كانت في دمشق، أو بغداد، وغيرها.. وفعلاً هذا ما أدى في نهاية المطاف إلى التراجع في الفكر العربي الإسلامي وبالذات حين أغلق باب الاجتهاد، للناس، الأمر الذي كانت من نتائجه، هو تغييب للعقل العربي، حتى النخاع. لأن هناك من عمل على فرض قيود على حرية المفكر العربي في بلاده ولم يتاح له فرصة الانطلاق، نحو المستقبل أو من حيث ما انتهى الآخرون. ولكن نحن كعرب، ظللنا نجتر الماضي، دون الاستفادة منه، ولم نعمل على تطوير تراثنا الحضاري الإنساني، إلى جانب عدم تطوير للمناهج التعليمية.. وكذا عدم الاستفادة من تجارب وعلوم الآخرين. والأنكى من هذا هو الهيمنة الاستعمارية التي فرضت على المنطقة العربية برمتها والتي جعلتها تعيش في حالة من التخلف الاجتماعي، والثقافي والاقتصادي والسياسي.. ناهيك عن المفاهيم المغلوطة والتي جعلت من سلطان الدولة هو الحاكم والناهي دون سواه، وأي خروج عنه يعتبر مخالفاً أو مرتداً.. مثل هذا هو ما ثبط من حرية الفكر، والإبداع بقدر ما جعل من عقل الإنسان العربي متجمداً حتى اليوم. رابط المقال على الفيس بوك