الجمعة الفائتة قال الشعب المصري كلمته بوضوح: الشعب يريد حماية إنجازه الأهم وشرعيته، ها قد أعلنها صريحة مدوية, إن خيارنا كان مرسي رئيساً ويجب علينا حماية هذا الخيار. من تابع تلك الكتل البشرية الضخمة التي غصت بها شوارع مدينة نصر وأزقتها لا يملك إلا أن يعترف أن هذا الزمن هو زمن الشعوب الحرة والثائرة، وأن زمن العصابات وماسحي الأجواخ قد ولى, وبات بمقدورنا الوصول للاستنتاجات التالية: كشفت هذه الجموع الغفيرة أنها أقوى من قنوات الدس الرخيص؛ لقد عرت هذه الجماهير ذلك الإعلام المفضوح، العاري عن الكلمة الحرة والصادقة، وها هي تمرغه بالتراب بأقدامها العارية كما كشفت هذه الجموع – على نحو أشد- أن مشكلة جبهة الإنقاذ ليست مع الإسلاميين فحسب؛ إنما مشكلتها مع الديمقراطية أساساً وعدم القبول بإفرازاتها الطبيعية، فحين تفرزهم يجب على الناس أن يصمتوا, وحين تفرز غيرهم عليهم أن يرفعوا عقيرتهم بالصوت عالياً: على الرئيس المنتخب أن يستقيل لمصلحة البلد في منطق فج ويستعصي على الفهم.تغدو الديمقراطية في الحالة المصرية – وفي حالات كثيرة أيضاً- خصماً لدوداً للباحثين عن المناصب، وعلاجاً مراً مذاقه لدى التيارات التي لا تمتلك مخزوناً جماهيرياً يؤهلها للصعود للسلطة؛ وإذ الحال كذلك فلا بأس من ممارسة الفوضى والعربدة الأخلاقية والسياسية للوصول إلى الحكم.والذين ينتقدون احتشاد الناس لحماية ديمقراطيتهم الغضة والطرية يتناسون عن عمد أن تهييج الناس أيضا ضد سلطات قائمة ومنتخبة ديمقراطياً عربدة غير بريئة والأعمق أنها تحركات مشبوهة ومدفوعة الأجر سلفاً وفي هذا السياق علينا أن نفرق بين حالتين، بين خروج الناس ضد رئيس مغتصب للحكم لعشرات السنين وبين آخر صعد عبر طرق ديمقراطية ارتضاها الجميع، في الحالة الأولى شخصياً أسميها ثورة مقدسة تتقرب فيها الجماهير إلى الله وتصلح ما ارتكبته من أخطاء، ليس الصمت أهونها وفي الحالة الثانية محاولة اغتصاب للسلطة ومصادرة لآراء الشعب أو كما أسلفت عربدة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. على أن الأخطر في تصرفات الجبهة أنها لا تعترف بشريحة هي الأوسع في الشعب المصري, ويستبد مذهب التطرف بهؤلاء حين يتحدثون أن الإسلام لا يصلح صيغة للحكم في مصر وذلك ما تحدث به البرادعي في غير مناسبة. شخصياً لا أجد مبرراً معقولاً لكل هذا الحقد والتوجس من الإسلاميين ومحاولة إخراجهم من أي معادلة أو صيغة للحكم. القول إن خصومتهم مع الإسلام وكل ما يمت له بصلة هي سبب هذا التوجس، كيف والقوم ينتمون أو كثير منهم إلى الإسلام ويؤدون شعائره أو بعضها !؟ القول إن التصور الخاطئ لدى هؤلاء عن مفهوم الإسلام وتياراته هو السبب!؟ قد يكون ذلك أو شيء من ذلك! ولكن لماذا القبول بالديمقراطية صيغة للحكم ابتداءً !؟ الجواب أن الديمقراطية توهم أو أوهمت هؤلاء الطامحين أنهم أكثرية، ولكن النتيجة كانت مخيبة لآمالهم وفاضحة لصدقهم ونواياهم وما اعتادوا من كذب وتدليس على الناس. هو إذن حب التسلط وفرض الآراء بالقوة وعدم اعتراف بالطرف الآخر من المعادلة السياسية. في مداولات كتابة الدستور المصري الأخير وفي المادة التي تتحدث أن الإسلام هو المصدر الرئيس للتشريع على فهم أهل السنة والجماعة، اعترض السيد عمرو موسى على مفردة الجماعة وعندما سئل: لماذا الاعتراض؟! قال حتى: لا يفسر الأمر أن المقصود بذلك جماعة الإخوان المسلمين. في واحدة من أشد مواقف التعصب المقيت. ألم أقل لكم قبل قليل إن مشكلة هؤلاء أنهم يصادرون شريحة كبيرة من الشعب المصري ولا يعترفون إلا بأنفسهم. يتحدثون عن الديمقراطية كثيراً ويبدون أمامها كتاكيت وأقزاما لمجرد أنها أنتجت ولدها الشرعي ولم ترد أن تحمل سفاحاً!. رابط المقال على الفيس بوك