يوماً عن يوم يتكشف لنا حجم المؤامرة الخطيرة على إنجاز المصريين المهم في 25 يناير 2012م، وبات كل حر لم يعد يشك مجرد شك أن ما تم هو محاولة مقصودة بعناية لإجهاض الثورة، وأن وراء ذلك قوى إقليمية ودولية بمباركة داخلية لم يرق لها أن ترى المصريين وهم يضعون أقدامهم على عتبات عهد جديد عنوانه الديمقراطية والدولة المدنية الحديثة بعيداً عن العبودية والإذعان، كما بان لهم أن لعبة الديمقراطية عند هؤلاء ليست أكثر من أضحوكة وورقة قبيحة لا يدانيها قبحاً سوى وجوه من لا يؤمنون بنتائجها والمصفقين لهم. لا أعتقد أن حراً مستقل التفكير والإرادة والتصرف يخالف هذا وهو يرى الحالة المصرية وفصولها الأكثر كآبة وتراجيديا, ويرى العسكر وهم يطيحون بأول تجربة ديمقراطية مدنية مصرية. لقد خُيّل للانقلابيين ومن يقف وراءهم أنه بمجرد قراءة بيانهم المشؤوم يكونون قد أطلقوا رصاصتهم الأخيرة على إرادة التغيير؛ على أن الأمر بدا لهم عكس ما كانوا يتصورونه؛ فالمؤيدون لخيار الديمقراطية وطريق الكرامة لم يكونوا ليعودوا إلى بيوتهم مستسلمين للحالة الراهنة وهم يرون العسكر يطيحون بحلمهم الجميل وكرامتهم المقدسة ويضربون بآرائهم عرض دباباتهم ومصفحاتهم؛ انتفضت مصر في مسيرات سلمية واعتصامات فاقت ثورة 25 يناير نفسها، وتداعى جميع المصريين للدفاع عن هذه الشرعية على الرغم من محاولة خصوم الحرية والمرضى تصوير الأمر كما لو كان بين جماعة الإخوان المسلمين والشعب المصري في أسوأ تغطية إعلامية على الإطلاق. لقد غادر هؤلاء قواعد المهنة وآدابها من موضوعية وحياد وإنصاف وراحوا غير موفقين يقلبون الحقائق ويزينون الباطل بدافع من خصومة أو كره أعمى أو تملق وتزلف وهم إذ يفعلون ذلك يتعامون عن قصد أن إرادة الجماهير وقوة الحق كفيلة بتعريتهم وفضحهم, لا بل قهرهم. هؤلاء الصنف من الناس غادروا ضمائرهم وشرف مهنتهم ورموا بأنفسهم راغبين غير مكرهين في وحل الدجل والخيانة والنفاق السياسي الرخيص والتزلف المقيت؛ يكذب هؤلاء ويبالغون في الكذب حداً يجعل من يثقون بهم يكذبونهم ويلعنونهم أكثر من المتابع المحايد، تخيلوا أن بعض هؤلاء يتهم الإخوان المسلمين أنهم نبتة اسرائيلية وأمريكية، وأنهم الصنف الأخطر على مصالح الأمة وقضية فلسطين بالتحديد لكأنهم جماعة صهيونية، أزيد من ذلك وأغرب أن الإخوان المسلمين كانوا وراء سقوط الأندلس, الإخوان المسلمون الذين تأسست جماعتهم العام 1928 كانوا وراء سقوط الأندلس التي سقطت آخر معاقلها العام 1492م، ألم أقل لكم قبل قليل إن كذب هؤلاء قد جاوز حداً عراهم كثيراً وأضرّ بهم!؟. وبعض هؤلاء كان أكثر فهلوة حين حشد بعض المعلومات عن الجماعة استقاها من أشد الناس خصومة لهم ويقدّمها للقارئ على أنها حقائق دامغة واكتشافات عن تاريخ الجماعة خطيرة، والحاصل هو أن صاحبها له موقف معادٍ منها أو مأزوم نفسياً، ولكنه لا يتورّع عن ذكر كل الأكاذيب والهرطقات عنها، وتغيب عن هؤلاء حقائق ماثلة وواخزة عن خصوم الإسلاميين، ثم يتعامون عنها كأن لم تكن.. حسنا سأذكر لكم مثالاً واضحاً وحياً.. كان البرادعي يقول: لا حوار مع مرسي بعد أن سال الدم المصري،من المفارقات طبعاً هنا أن الدم المصري أسالته جبهة الإنقاذ وكان في الغالب الأعم دم الإخوان وفي أسبوع واحد بعد 30 يونيه سقط المئات من الشهداء المصريين وجرح وسُجن الآلاف بأيدي العسكر وبمباركة حكومة الانقلاب، فأين البرادعي اليوم لا يخرج يغنّي لنا أغنيته الشهيرة: «لا حوار مع...!؟» وأين هاتيك الأقلام التي لا تترك صغيرة ولا كبيرة مما يصورونه للناس مساوئ للإخوان إلا ورفعوا عقيرتهم بالصوت عالياً, فضلاً عن نسج الأكاذيب والفبركات عنهم!؟ ويخرج النائب العام المسيّس ومن ورائه العسكر بتهمة على الرئيس المصري مرسي غريبة غرابة مواقعهم ومناصبهم أن مرسي فضح أسرار الدولة المصرية لجماعة الإخوان المسلمين, ولم تمض إلا ساعات حتى خرجوا بتهمة أخرى أن مرسي كان عميلاً ل«حماس» ويتعاون معها؛ وهي تهمة بالمناسبة لم تكن لتصدر إلا عن المدّعي العام الاسرائيلي، فتتعامى هذه الأقلام أيضاً وتدفن ذاتها في الرمل؛ بل ربما احتفلت بخبر كهذا وتعاملت معه كحقيقة غير منازعة!. ألست معي في أن كل خطوة يخطوها الانقلابيون يكونون غير موفقين فيها, لا بل ترتد عليهم فتتركهم عرايا أكثر من ذي قبل!؟ على أن في مواقفهم هذه خدمة جليلة يسدونها لخصومهم.. إن لهؤلاء من الغباء والجهل بالتاريخ والسياسة ما يجعلهم يطمئنون أن الإسلاميين قد طوّح بهم ولا أمل في عودتهم إلى الحكم؛ ها قد فشلوا في مصر! متعامين إن كان ثمة فشل فعلاً عن الظروف الموضوعية وغير الطبيعية وقصر المدة والدولة العميقة والمتجذرة لمبارك.. ولو كانوا قارئين واعين للتاريخ إذن لتأملوا في تاريخ تركيا الحديث على الأقل؛ فمنذ العام 1961م وحتى العام 1997م أربعة انقلابات عسكرية كلها لم تفلح في القضاء على إرادة الشعب التركي العظيم؛ فوراء كل عملية انقلاب كان الشعب التركي يخرج أشد مضاءً وصلابة وأكثر إصراراً وعزيمة على التغيير وبناء الدولة الحديثة وهو ما تم بالفعل. إن أسوأ ما فعلته جبهة الإنقاذ أن سلّمت مصر من جديد لأعتى مؤسستين تم بناؤهما على يد مبارك وعينه.. الجيش والقضاء، أي الجناح الأقوى في الدولة العميقة بعد الإطاحة بجناحها الأضعف (مبارك) وحتى هذا الجناح يستعد للعودة من جديد، وهاهو ذا شفيق أطلّ برأسه من جديد يلقي خطاباته على الشعب المصري كثائر ومخلّص لهم من جماعة الإخوان المسلمين التي استبدت بالمصريين عقوداً؛ قتلتهم, صادرت حرياتهم, نهبت أموالهم, كمّمت أفواههم, أغلقت فضائياتهم, صادرت صحفهم, خنقت إخوانهم الفلسطينيين وحاصرتهم وقد آن للمصريين أن يفوقوا من غفوتهم ويتخلّصوا منهم!!. في منطق غريب ويستعصي على الفهم والإدراك, وها هو ينهض لتوّه إنه الآن يقف أمام المرآة يصفّف بقايا شعره ويلبس بذلته الأنيقة وربطة عنقه ونظارته استعداداًَ للعودة الظافرة, وعمّا قريب إذن سيفوق من غرّر بهم على كبرى القوارع؛ حين تتكشف لهم الحقائق شاخصة أمامهم وقد تكشفت ويتأكدون أن ما حدث إن هو إلا القضاء على أحلامهم المبعثرة التي راودتهم ورسموها ذات مساء وكادوا يعانقونها؛ حينها سيفركون أعينهم ووجوههم مستبينين غير مصدقين لهذا الذي حدث, وحينها فقط سيندمون أشد ما يكون الندم ولات حين مندم!. على أنه لابد من الإشارة هنا إلى أن ما حدث لا يعني انتهاء الحلم وفشلاً لإرادة التغيير؛ عطفاً على وعد الله وعلى أحداث جد مشابهة؛ فمهما انتفش الباطل وانكمش الحق فذلك الانتفاش لا يعني إلا الإيذان للحق أن يسود ويدمغ الباطل فإذا هو زاهق ناصل، وللحرية أن ترفع صوتها غير متعتع، وأن تغنّي ويسمع غناءها كل ماسحي الأجواخ وكل من به صمم ويرتد صداها في كل الآفاق!!. رابط المقال على الفيس بوك