لا يمكن الحديث عن وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية سوى باعتبارها منظومة تفتقر للكفاءة والفعالية والترابط والتخطيط السليم.. ثمة تركة ثقيلة خلفتها عقودٌ عملت فيها أجهزة الأمن كمنظومة مختلة، تدار باستهتار ومزاجية، لتتحول إلى جزء من المشكلة وليس الحل. بصدور القرارات التنفيذية لخطة هيكلة الداخلية، ينبغي على الوزير ونائبه ووكلائه والمفتش العام والمسؤولين الجدد والقدامي التفكير ملياً بتحقيق اهداف الهيكلة والمتمثلة بإنشاء جهاز شرطة مهني ينفذ القانون بدقة وصرامة، ويحترم حرية المواطنين ويحفظ كرامتهم، ويقدم أفضل الخدمات، وصولاً لكسب ثقة المواطنين وتعاونهم “بعد أن فُقدت علاقة الثقة بين الشرطة والمواطنين في السنوات الماضية”.. العبارة الاخيرة وردت كذلك في نص قرار الهيكلة، وبذلك يصبح المعيار لتقييم نجاح وزارة الداخلية مدى قدرتها على تنفيذ القانون بمسؤولية، واستعادة ثقة المواطن.. اتسم اداء الاجهزة الامنية طوال الفترة الماضية بكثير من القصور، ورغم محاولات جادة يبذلها مسؤولو وضباط وافراد الداخلية للارتقاء بأدائهم، ورغم النجاحات الاخيرة خصوصاً ما يتعلق بضبط شحنات الاسلحة المهربة، على ان ذلك ليس كافياً لتقدير النجاح، لأننا لا ندرك حجم الشحنات التي تجتاز الاحترازات الأمنية.. قد لا يكون بمقدور اجهزة الأمن منع حدوث بعض الجرائم التي تتوفر ادواتها ونزعة تنفيذها، على ان الفشل يتجسد في عجزها عن اجراءات ما بعد الجريمة من ضبط للمشتبهين والمجرمين، كما هو حاصل في قضية شهيدي صنعاء أمان والخطيب.. احصائيات الداخلية تثبت حضوراً في بعض هذا الجانب، لكنها تبقى خجولة اذا ما قورنت بإحصائيات الجريمة المنفلتة. ينبغي ان يكون هناك استراتيجية وطنية للتعامل مع السلاح حفاظاً على الامن والسلم الاهلي، إذ يقتضي الأمر يقظة أمنية وحزماً في معالجة جذور الجريمة، وحظر السلاح تجارة وحيازة وحملاً، وتنظيمه اينما وجد.. ومؤسف ان يتحدث البعض عن السلاح كمشكلة مقتصرة على المدن، دون الارياف، كأن القتل مباح هناك كصيد الأرانب. وبعيداً عن تقييم النجاح أو الفشل في ضبط الحالة الامنية في بلد يعترف وزير داخليته بوجود قوى وميليشيات تمتلك من السلاح اكثر مما تمتلكه وزارته، وتنازعها قوتها وسلطتها المهترئة. هل نجحت الوزارة في جزء حيوي ومهم من مسؤوليتها المتعلقة باجراءات نظامية مدنية وخدماتية، كالاحوال المدنية وحركة السير، التي لا يتطلب حضورها قوة غالباً بقدر ما تتطلب اجراءات توثيقية او نظامية. مؤسف ان تشرع اللجنة العليا للانتخابات في إعداد سجل الكتروني للناخبين، تستفيد منه مصلحة الاحوال المدنية التي يعود عمرها وسجلاتها لأكثر من نصف قرن، إذ العكس هو الاصل الطبيعي، وهذا يعكس حجم الفشل في اداء الأحوال المدنية وعدم موثوقية بياناتها. في المركز، دون فروع الاحوال المدنية، تحكم السمسرة استخراج الوثائق المدنية، وليس مستحيلاً تمرير معاملة مزورة طالما ارتبط الامر غالباً بالوساطة والمعرفة والدفع المسبق.. هناك؛ الوثيقة يستلزم استخراجها احياناً اكثر من عشرة اضعاف رسومها الرمزية، لتذهب البقية للسماسرة والمنتفعين وشهود الزور، وهذا الامر ليس اختيارياً غالباً، مع أنه كان مفترضاً مع طول عمر المصلحة ان توثق بيانات المواطنين من شهقة الولادة حتى الوفاة. ثمة أمرٌ آخر.. زحمة السير ليس مبعث أغلبها ضعف البنية التحتية في المدن، ولا كثرة السيارات، بل فوضى النظام.. للأسف شرطة السير تعيش وضعاً مشلولاً مع أن بإمكانها تفعيل انظمتها وتعزيزها ببعض الامكانيات ككاميرات التصوير لتصبح اداة انضباط فاعلة، ومصدر دخلٍ مهول للدولة، وتسهم في حفظ حياة المواطنين ومصالحهم قبل كل شيء. هذه الأيام تتراصّ السيارات في الشوارع الرئيسية العريضة كشارع الستين بصنعاء بشكل سافر امام المطاعم واسواق القات، وتغلق الباصات العمومية التقاطعات ومداخل الشوارع, متسببة في اختناق مروري في اوقات الدوام الرسمي لرجال الشرطة.. يصبح دخول بعض شوارع صنعاء وتعز مغامرة غير محسوبة احياناً.. بل انه لم يعد يتضح لك وانت تمضي في خط من اتجاه واحد أأنت عاكسه ام غيرك؟ في ذات الوقت تزعم الداخلية انها عازمة على تطبيق النظام المروري على الدراجات النارية! أخفقت كثيراً الوزارة بأجهزتها المعنية في هذين الجانبين في أداء مهامها في العاصمة ومقراتها المركزية، والحديث عن الاخفاق في الجوانب الأخرى مجرد استنتاج تعززه حوادث وفيرة ليست بحاجة الى سرد وإثبات، على ان الفشل في جانب لا يعني الفشل في الآخر باعتبارها مسارات متوازية، تتقاطع في التنسيق لبعض المهام. وإذا غابت كفاءة الشرطة في اجهزتها النظامية والخدمية، فسيكون بقية الأداء المقترن بفرض هيبة الدولة وحفظ الامن ضرب من العبث والفوضى والانفلات. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك