ما يسود هذا العصر من تناقضات وما يشهده من أحداث لا يختلف كثيراً عما كان يحدث في بعض مراحل تاريخ الأمة الإسلامية.. وكان ذلك نتيجة حتمية للاجتهادات غير الصائبة والأفكار المنحرفة لبعض الفرق والطوائف والأغراض السيئة والأهواء لزعمائها ومصالحهم الذاتية ما عرّض الأمة إلى العديد من الفتن، حيث لا صلة لتلك المصالح بالدين الإسلامي رمز السماحة والسلام على مر الزمن. وما زاد الأمر سوءاً في هذا العصر هو إسناد أمر الدعوة إلى من لا يمتلكون المعرفة التامة والقدرة على تبصير الناس بمختلف أمور الدنيا والدين والعقيدة، وغير مؤهّلين للقيام بهذه المهمة الإرشادية الفريدة لمعرفتهم السطحية بتلك الأمور وضعف بصائرهم بحقيقة الدين ومعرفة أحكامه وعمق أسراره ومقاصده المتعددة، ما أحدث أضراراً بالغة ومردودات سلبية بين جميع الأوساط المجتمعية. إلى جانب ما أضافته الثورة المعلوماتية المعاصرة، حيث أصبحت المعارف الإنسانية المتعددة والغزيرة لا ترتبط في معظمها بالقيم والأخلاق بالرغم مما تقدّمه من معلومات وأفكار مبهرة خاصة ما يرد منها عبر القنوات التلفزيونية الفضائية وعبر شبكة الإنترنت التي أصبحت للجميع متيسرة ما جعل الشباب يتابعون تلك الوسائل باهتمام وشغف واندهاش، والكارثة أنهم لا يدركون ما تبثّه من رسائل وأفكار هدامة؛ ولذلك فالأمر في غاية الخطورة ويتطلب من الجميع التوقف أمام ما يحدث وطرح الرؤى والأفكار المناسبة لمعالجتها بتأنٍ وحكمة، ولا نغفل هنا أهمية التحاور مع الشباب، وتلك أفضل سبل التنوير المؤثرة، فالحوار البنّاء والتعبير عن الرأي يُشعر الفرد بكيانه وتحقيق ذاته كما يُشعره نحو المجتمع بمسؤولية كبيرة. ومن خلال مبدأ المشاركة في الرأي حيال ما يمس الفرد أو المجتمع وما يواجهه من أحداث يمكن أن تتبلور وجهات النظر السليمة في سبيل وضع أفكار وآراء منطقية قيمة تحمي الشباب من سوء التوجيه والانحراف ومن الوقوع في شباك التطرّف والعنف المذمومة. وهنا تتجلّى أهمية دور العلماء والمرشدين في تحمُّل مسؤولية إصلاح المجتمع وتبصير أفراده بمبادئ وأهداف الدين وغرس قيم الفضيلة، وترسيخ المبادئ والأفكار المعتدلة، وزرع المحبة والتكافل بين الناس لتعميق الحب العظيم للخالق عز وجل وللرسول الكريم وللدين والوطن وأسمى المُثل. وفي نفس الاتجاه لابد أن تعالج أمراض المجتمع المتعددة كالفساد والتطرّف وبث الأفكار المتشددة؛ بحيث يقوم العلماء والدعاة بتجسيد كل تلك المعاني في أحاديثهم وخطبهم، وتأكيد مبدأ الانتماء فقط إلى كتاب الله الكريم والسنة النبوية درءاً للفتن والفُرقة والغلو أو التعصب للحزبية أو المذهبية. وحتى يتحقق ذلك الإصلاح والتنوير بصورة نموذجية لابد أن تقوم الوزارة المعنية بدورها الفاعل في اختيار وإعداد الدعاة والمرشدين؛ بحيث يتسم الداعية بالصفات المطلوبة في من يتولّى توجيه الأمة وتبصيرها بشؤون الدين، وأهمها أن يفقه كتاب الله والسنة، وبالمرجعية الشرعية والواقع المعاش على دراية وبيّنة، بحيث يتعرّف على هموم الناس وقضاياهم ليتسنّى له مناقشتها ومعالجتها بحكمة ومرونة، وأن يتحلّى بالتواضع والإخلاص لدين الله، متجنباً في دعوته التجريح والتشهير، ملتزماً بالموعظة الحسنة؛ حتى تتحقّق الأهداف النبيلة والمعاني السامية للدين التي يعتبر منطلقها وأساسها جميعاً قول الحق بتجرُّد وبمنتهى الأمانة دون أن يُتخذ الدين والدعوة في المنابر وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية أو الفئوية. وهذا الأمر غالباً ما يقدم عليه ذوو الانتماءات سواء المذهبية أم الطائفية أو الحزبية أو أنصاف المتعلمين محدودو المعرفة بالشرع والدين.. ويظل تضامن جميع الجهات المعنية هو الوسيلة المثلى التي يمكن أن تسهم بإيجابية في بناء شخصية الفرد بصورة سوية، فالمسئولية مشتركة بين جهات التوجيه والإرشاد والمؤسسات الإعلامية والاجتماعية وكذلك المؤسسات الثقافية والعلمية، حيث لابد أن يعمل الجميع على حماية المجتمع من أي انحرافات سواء كانت فكرية أم أخلاقية أو اجتماعية.. وتلك هي القضية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك