لم يحدث منذ العام 1928م أن دخل الإخوان في أتون عزلة تاريخية كالتي يقبعون حالياً تحت سيطرتها ،ولم يكن أن دخلت الجماعة منذ ثمانية عقود في متاهات جعلتها أمام خيارات أحسنها مر مرارة العلقم, فرغبة جماعة حسن البنا في عدم الاعتراف بالواقع والتسليم بجديات اللحظة في دلالة لذلك الغيّ والتصلب اللذين يعكسان ذلك المد الأهوج الذي عاشته الجماعة بمنأى عن استراتيجية التطور وأهداف النماء السياسي الذي جربته كافة القوى والتيارات بدءاً بالقوميين وليس انتهاءً بالأحزاب الوسطية التي تربعت على كراسي الحكم واستطاعت إدارة بلدان لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن ظلت خلالها الجماعة مجرد أداة وغطاء ديني لهذه المناظيم مع اعتبار الفارق من بلد إلى آخر بحسب الظروف ووفقاً لمحددات العلاقة بين الجماعة والسلطة في كل بلد. أن سقوط الإخوان في مصر جاء بمثابة نهاية حقبة جيوسياسية في تاريخ الجماعة إن لم أقل أنه أمام فرصة أخيرة لترك توظيف الدين والتمترس خلفه ماجعل مجرد وجودها على الخارطة السياسية غير مرغوب ولا مقبول لكل معاصريها من النخب الحاكمة والشعوب على مدى أكثر من ثمانين عاماً ما يفرض وقائع جديدة تهدد ما تبقى من مستقبلها وهي ترتطم بالمصير المحتوم ، فالإسلام السياسي لم يعد مجدياً البتة لا في مصر ولا في غيرها من البلدان وبالأخص في بلدان على شاكلة اليمن ليس فيها أقليات ولا قوميات ولا حتى أديان أخرى، وذلك يعني أن تياراً من هذا النوع سيظل فائضاً عن الحاجة سياسياً واجتماعياً وثقافياً وعلى النقيض من ذلك يأتي مصير الجماعة في مصر بظروف أسوأ وحضور أنكأ بعد تجربة عام من الحكم الفاشل والجدوى المنعدمة لحكم شعب ليس أي شعب ( الشعب المصري) بما فيه من أطياف وفئات واتجاهات فكرية لم تعكر في يوم من الأيام مسار الحياة وصفو العيش، فكيف تحكمه جماعة لم تنجح سوى في إدارة الجمعيات والمراكز الصيفية والمشاريع الصغيرة والأعراس الجماعية، وهنا تظهر فقط قدرات جماعة الإخوان على أن أضيف إلى ذلك أن الجماعة في بلد مثل اليمن هي كما أسلفت فكرة فائضة عن الحاجة. وفي مصر ثبت أنها ليست مطلوبة أصلاً نتيجة التدهور المريع الذي عم مفاصل الحياة في قاهرة المعز وأخواتها من المحافظات المصرية ،لأنها لم تراع بل ولم تؤمن كما هو ديدنها بالتنوع الذي يؤسس للدولة المدنية بدلالة أن أكبر المتضررين من تجربة حكم الإخوان لمصر هم الأقباط والمسيحيون وقد تم استبعادهم حتى من بُنية الشعب المصري من خلال وضع دستور يجسد إرادة هواة الإسلام السياسي واتباعهم على قلتهم بصورة صرفة مع أن تاريخ المسيحية في مصر متجذر وضارب في العمق التاريخي بدرجة تفوق وجود الإسلام في أرض الكنانة. لقد بات على الجماعة دراسة خيار وحيد لا مناص منه يفرض على قواعدها إنزال لواء الإسلام السياسي وتحديث الأطر الفكرية المنغلقة وقلب الطاولة على قياداتها العتيقة، فالمنتمون لها خاصة من الشباب والطلاب يواجهون منعطفاً تاريخياً هاماً يُحفز على إحداث نقلة تحدث قطيعة مع ماضي الجماعة لاسيما وأن التيارات التي تأخر وجودها حتى ظهور جماعة الإخوان بعقود في الوطن العربي ذات الاتجاه القومي والليبرالي والأحزاب التقدمية امتداد لفكر نشأ في الغرب إلا أنها تمرست سياسياً وقدمت نفسها في نماذج ليست بقدر فشل الإخوان على الأقل. رابط المقال على الفيس بوك