التغيير سنة من سنن الكون التي لا يمكن إنكارها، فهو حاصل خارج إرادة البشر ،لأن الثبات والبقاء والكمال من صفات الله وحده، لكن الله تعالى جعل من هذه السنة مخرجاً من الكثير من المآزق، كما أنه جعلها تعالى تسير في اتجاهين اثنين، أحدهما خارج سيطرة البشر والآخر لا يحدث إلا بضرورة تدخلهم، وصدق نواياهم شرط من شروط نجاح هذا التغيير الذي تحتاجه المجتمعات حين يكون التغيير المدروس ضرورة ملحة. فالله قال في كتابه الكريم: {إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم} “سورة الرعد آية 11”. وهذا هو التغيير المشروط بصلاح النية وسلامة المقاصد الجمعية، وما أكثر ما تشكو مجتمعات اليوم من الحاجة إلى تغيير أوضاعها وتصحيح مساراتها، وهذا بالطبع لا يحتاج إلا إلى تخطيط وتهيئة تقف مسئوليتها على أولياء الأمر والقائمين على مصالح الناس، وهذه الخطط ينبغي أن تسير باتجاه أمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، فاليوم جاء الدور الذي ينبغي أن يضطلع به أئمة المساجد منذ زمن، فغرس القيم النبيلة وشرح العقيدة بتفاصيلها الغائبة عن الجميع ليس بالدور السهل أو المهمة التي يمكن تجاهلها، فالمسجد منبر المسلمين الأول، وهو سيلة الإعلام التي نشر عبرها رسولنا الكريم كافة مبادئ الدين القيم، وهو إلى ذلك ملتقى الآراء والأفكار والرؤى المختلفة التي يوحدها الوقوف بين يدي الله صفاً واحداً، وفي وقتٍ أصبح فيه للأمة أعداء كثر وجب على أئمة المساجد في مجتمعاتنا أن يعلنوا جهاد الكلمة الطيبة وينشروا فلسفة الفعل الحسن ولا يكتفون بهذا الفعل اللفظي فقط بل عليهم أن يعدوا الحملات وينظموا البرامج ويستعدوا لمواجهة الاتجاه المضاد بالصبر والابتسامة والدفع بالتي هي أحسن. وقبل أن يبدأ الأئمة بهذا يجب أن يجتمعوا على هيكلة برمجية واحدة وخطة تغيير مشتركة أيضاً واحدة، وهذا أمر لابد وأن يؤخذ في الحسبان ،لأن التغيير يتطلب جهوداً موحدة، وفي اتجاهٍ آخر كان من الضروري على الحاكم أن ينظم وجود قوانين تحمي الفضيلة وتعاقب كل من يرتكب الرذيلة أو يدعو لها من قريب أو بعيد، وبشكلٍ خفي أو صريح، لأن من الأسباب التي أدت إلى تدهور المجتمع عندنا وجود أوكار للرذيلة يرتضيها البعض ويصمت عنها لانغماسه في القبح واستشراء الحرام فيه وغياب الضمير الذي يجعله قادراً على التفريق بين الخبيث والطيب، ولعل الآية الكريمة {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} شاهد على هذه الحال التي غيرت من التركيبة الاجتماعية البسيطة لكل مجتمعات المسلمين وجعلتها مجتمعات معقدة ومنقسمة بين من يحاول أن يقبض على دينه ومن يحاول أن يصرخ للإبقاء على اليسير الذي بين يديه ومن يغفل عن دوره في الحياة ومن يتبع خطوات الشيطان. عائمون على سطح بحر الحياة تتقاذفهم الأمواج يمنة ويسرة ولا يدركون قيمة الحياة إلا بعد فوات الأوان. إن التغيير الذي تنشده المجتمعات اليوم ليس بالأمر السهل ولا ينبغي أن يؤخذ بهذه السطحية التي نراها تتعالى لتصل حد التشكيك والتكفير وإقصاء الآخر بل ومحاولة إلغاء وجوده، بل إن الانقسام في الرأي وغياب الوحدة الفكرية والعقائدية من أهم معوقات التغيير على الإطلاق، والحل لا يكمن في اليد الحديدية التي تحاول إخماد هذه الثورات أو تحويل مسارها أو توظيفها لمصالح خاصة، لأن ردة فعل عكسية قد تترتب على ذلك فينقلب السحر على الساحر وينكفئ قدر السياسة على طاهيها! إنما الحل في وحدة الرأي والعودة للجذور في الحكم والتحكيم، كتاب الله وسنة نبيه الكريم، هذا هو الميزان الذي نحتكم إليه كمسلمين وهو الميراث الذي لا يجب أن نفرط به جهلاً بقيمته أو استهتاراً بمنزلته التغيير لا يحدث بشكلٍ مفاجئ ولا يسير على وتيرة واحدة، كما أنه لا يمكن أن يستمر بشكل عشوائي، لذا كان من الضروري كما أسلفت أن تتوفر الخطط الفاعلة والبرامج المحفزة للبناء والعمل وعدم الوقوف أمام المتغيرات الراهنة بسلبية ،لأن هذا يعني تدخل أطراف أخرى لا نعرفها لإحداث تغيير تنشده ولا ننشده!.. لكن قبل كل شيء دعونا نطلق الدعوة للجميع بتغيير ما في أنفسنا لتغيير نوايانا وتصحيح توجهنا نحو مستقبلٍ خالٍ من كل أنواع الصراع السياسي أو المجتمعي.