عندما ينقطع الغيث؛ يصيب الجفاف الأرضَ والإنسانَ، وتكسو الأرض غبرة، والنفوس وحشة، وعندما تهطل الأمطار تنفتح الأزهار والقلوب معاً، وتعمُّ الفرحة حتى أولئك الذين لا شأن لهم بالأرض والزراعة والمنفعة المباشرة؛ يقلقهم انقطاع المطر؛ وتتفتح قلوبهم للمُزن النازل من السماء. هناك علاقة بين الماء والتراب؛ حيث يرتوي التراب وتطرب الأرض بالغيث وتزهر, ومع الأرض يفرح الإنسان؛ لأنه في الأساس من تراب؛ يلزمه الماء لينبت ويحافظ على ورده وأزهار فرحه وابتهاجه. تنبت الأرض نباتاً مختلفاً ألوانه؛ سنابل من الحبوب وفواكه وأزهار عطر، كما تنبتُ شوكاً وسموماً وأشجاراً من زقوم؛ رغم أن الأرض والتراب واحد، والماء المسكوب واحد، لكننا نرى هذا مُرّاً وهذا حلواً، هذا طيب، وهذا قاتل ومؤذٍ؛ إنها سُنّة التراب والخلق. والإنسان هو، هو، مزيج من أصله التحتي ونفخته العلوية؛ ينبتُ بين هذا وذاك خيراً مثل «التسامح والحُب والذوق والرحمة والبسمة والصدق والاستقامة» وشراً مثل «الكراهية والانتقام والحسد والتجهُّم والكذب والانحطاط» تجد الأخيار والأشرار في كل مجتمع، وقد تجد التباين في الفرد الواحد. إهمال الأرض يؤدّي إلى التصحر وموت الزرع والورد، وتزهر أشجار الشوك ونبات السموم، وكذلك الإهمال في تربية الإنسان والمجتمع ينبتُ إنساناً أقرب إلى السم والشوك و«الحميطة» والأفيون، والاهتمام والرعاية للمجتمع والفرد تنبت إنساناً منتجاً أقرب إلى مزارع الرمان والحبوب المبروكة، وورود عطر وفواكه مختلفة اللون والطعم. هناك تشابه بين الإنسان والتراب والماء والروح والسحابة والوحي والأسباب والنتائج والحاجة والمخاوف والتصحر والخراب؛ يلزمنا التعايش مع الزرع والماء ومهاجل الأجداد حتى لا نكون شوكاً أو وروداً بلاستيكية..!!. في المجتمعات المتحضّرة يحرصون على الالتحام بالزرع والماء؛ حتى الذين يعملون في الصناعة والمناجم والزعماء والرؤساء والأطباء؛ كلهم يحرصون على أن تكون حديقة المنزل جزءاً من الحياة، والشجرة فرداً من العائلة. نحن انقطعنا عن واقعنا الزراعي مع أننا مجتمع زراعي في الأساس يعشق الماء والسنابل، أصبحنا عالقين في «الضاحة» لم نصل إلى الواقع الصناعي ولا المدني، وأضعنا صفتنا؛ فبقينا في مكان شديد الجفاف والتصحر في كل شيء؛ بعيدين عن الشجرة والخضرة والجمال والفرح والماء، لا علاقة لنا بالسحابة والرعد والغيوم وكأننا في زنزانة محاصرة من الحياة والخير والحوار والحُب. علينا ألا نذهب بعيداً عن الأرض والتُربة والمطر والزرع والشجرة وتفاعلاتها المبهجة والرحيمة التي تؤثّر على سلوكياتنا اليومية وتوجُّهنا الحضاري. فالشجرة وخضرة الزرع جزء من الإنسانية الجميلة، ومن يبتعد عنها يقترب إلى طبيعة التصحر وقساوة الرمال. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك