عن المطر والربيع نُذكّر، وإن كانت بلادنا الطيبة تمر بظروف استثنائية صعبة غير مستقرة الأحوال في كل مجالٍ وفي شتى مناحي الحياة التي نطمح إلى أن تتغير إلى الأفضل وكثيراً ما تمر رياح التغيير على عدد من الشعوب كما تمر علينا إحدى عواصف هذا الزمان. ولكن مهما كانت الصعاب إنما الواجب أن ندرك أن سر استقرار وسعادة شعبنا في الوفاق والاتفاق على كل ما يهم مجتمعنا الذي نأمل أن يؤسس له وللأجيال القادمة مستقبلاً أسعد وأرغد. فها نحن في شهر مارس ربيع العام الذي يبشر بغزارة أمطار دون الالتفات إلى الاستزراع كما نفعل كل عام، فالزراعة محصلة القوت لهذا يقول ابن خلدون: “الزراعة والتحكم في المياه مصدر استقرار وسعادة”، ثم يقول: هذه الصناعة “الفلاحة” ثمرتها اتخاذ الأقوات والحبوب بالقيام على إثارة الأرض لها واستزراعها وعلاج نباتها وتعهده بالسقي والتنمية إلى بلوغ غايته، ثم حصاد سنبله واستخراج حبه من غلافه وإحكام الأعمال لذلك وتحصيل أسبابه ودواعيه، والزراعة من أقدم صنائع البشر لما لها من فوائد للإنسان والحيوان. وهكذا عنى ابن خلدون بالرزاعة من حيث ارتباطها بتحصيل الأقوات والعمل الزراعي في أكثر من فائدة.. فهناك الأشجار غير المثمرة التي تزود الناس بالأخشاب للصناعة، والحطب للوقود والرياحين والزهور والنباتات العطرية والأعشاب الطبية. وكم هي بلادنا الزراعية بحاجة أكثر إلى مهندسين زراعيين أكفاء، كم فقدت وديان اليمن على امتداد خمسين عاماً الآلاف من أشجار النخيل وأشجار أخرى مثمرة ومفيدة، فالاهتمام بزيادة الاستزراع في كل عام وفي مثل هذه الأيام الربيعية بدءاً من مارس هي التي ستغني عن الاستيراد والاستجداء وتنقصنا الثقافة في الزراعة، فالذي نعرفه أن خمسة من المعنيين بالزراعة كتبوا فيها وهم: ابن وافد وابن حجاج وابن بصال وابن العوام ومؤلفون مجهولون فإن كلاً من هؤلاء كان ممن يصح أن نسميه مهندساً زراعياً لأنه قام بتجارب متنوعة تتعلق بالري والزراعة والحفاظ على الشجر. نعم.. ما أحوجنا إلى دارسين وباحثين في الفلاحة علماً وعملاً، فلنا من أجدادنا المزارعين خبرتهم وتجاربهم وهم لم يدرسوا إلا تحت سقف السماء لا تحت سقوف الجامعات، كانوا حريصين على استزراع كل أنواع الشجر الطليلة والمثمرة، حريصين على نقل النباتات إلى البساتين وحدائق المنازل، كما ينبغي الحرص على مياه الأمطار، فالموسم القادم هذا العام يبشر بعطاء أغزر وسحائب جائدة بالأمطار.