قبل أسابيع رأيت كتاباً انتشر بشكل ملفت في المكتبات والأكشاك يتناول الوضع المستقبلي للقاعدة في ظل توجهات مؤتمر موفنبيك .. يخلص بأحكامه القطعية إلى أن الحراك يخدم القاعدة حالياً كما أن القاعدة تخدم الحراك بالمقابل. كذلك يشدد على أن الفيدرالية ستمثل خدمة كبرى للقاعدة ليس إلا. لكأن القاعدة ولدت قبل يومين هنا، أو لكأن ذات الذين لايزالون في الحكم والتأثير لم يكونوا على صلة بها ومنهم كما تشير الوقائع من يدعمها الآن ويباركها لعدة أسباب تخدم أيديولوجيته أو تكتيكه السياسي الراهن. تُرى ما الذي يحدث بالضبط؟ في حقيقة الأمر نستنبط أن هناك تضخيمًا صارخاً للقاعدة، فضلاً عن محاولات حثيثة لحرف مسار الحراك الجنوبي، ما يجعلها تنطوي على استسخافات واستعلاءات مبطنة لعدالة قضية الجنوبيين وحقوقهم المصادرة التي لطالما كانت تقابل بعدم الاعتراف للأسف وحتى الآن بعدم الحلول الجدية. على أن الكتاب الذي حذر من أي تحول سياسي في اليمن، لايحث الدولة على التعامل بحزم حقيقي مع الإرهاب قدر ما يأمل تقديم تنازلات غامضة للقاعدة، فيما يتغافل عن الشكل الوحدوي الهش منذ سنوات وأسلوب إدارة الدولة المتسيب والمتواطئ والمتدهور أصلاً ما أفضى إلى تنامي القضية الجنوبية ومظالم اليمنيين، كما إلى تدني حالات الفساد واللا مسئولية والأمن المخترقة بحيث استفادت منها القاعدة وترعرعت بما يفوق التصور، لاشك. من هنا نرى أن هناك خلخلة ممنهجة أيضاً - وهنا الكارثة - لما تبقى من معنويات الدولة –كحاضنة للاستقرار كما يفترض، بحيث إنها كلما حاولت وفق الإحداثيات الجديدة المفروضة الملحة طرح مسألة تصحيح التصدعات الرهيبة التي رضخت أو تعرضت لها «جراء التآمرات الداخلية والخارجية التي تشجع العنف وخلط الأوراق وتجريف الدولة وانحطاط الفرد والمجتمع وترجيح كفة النفوذ والهيمنة القائمة» على طاولة المستقبل كوسيلة لا أنجع منها لتحقيق الإجماع السياسي الديمقراطي والسلام المجتمعي ودحر أيديولوجية التسلط وطائفية الاستخدام التحريضي للدين، بدلاً بالطبع من الرضوخ لما يقود إلى تفخيخ حلم التمدن وتقويض مصالح العدل والتسامح والعقلنة، وصولاً إلى انتصار شروط عدم تحديث بنية السياسة والدولة والفرد والمجتمع والوحدة والوعي الديني الحقوقي التعايشي السوي. ولذلك فإن إرادة استبقاء امتيازات كل الجماعات المسلحة في البلاد دون استثناء، يمثل اتساعاً مشيناً لثغرة شديدة التوسع في الهوية الوطنية والمنطق الوطني السوي، فيما الدفاع عنها يعد دفاعاً عن التخلف والغلبة والقوة والكراهية والتحيزات والعصبويات والأزمات والمشاريع الصغرى ماقبل وطنية أساساً. ولئن يتم اعتبار القاعدة كضحية وحقيقة حميمة قائمة يروج لها بنوع من الألفة كي يتم الإنصات غير الطبيعي لها فإنه لايمكن القبول بهذا الابتسار التعسفي كون الدولة والمجتمع ضحايا مسارها السيئ في الأساس. بل لعل نزعات التكفير والقتل واحتكار الحقيقة الدينية لايمكن محاباتها على الإطلاق بصفتها ليست الثقافة المتميزة اللائقة بحلمنا الجمعي للتطوير وللتقدم ما بالكم ونحن أمام منعطف نهضوي تاريخي كما يفترض؟!. تبقى الإشارة إلى أن للكتاب اهميته الخاصة بالتأكيد وهو يعكس حالة القلق من المتغيرات وما يهدد الحاضر والمستقبل معاً بالنسبة لتمثلات القاعدة حالياً حسب رؤية عديد باحثين وتقديم عادل الأحمدي. مع أننا نرى في غالب الطروحات- على الرغم من كل جهوداتها - عدم استقراء معمق عموماً لحواضن الإرهاب وعلاقاتها الاستغلالية بمحركات الفقر والمشاكل الاجتماعية والشحن الديني المغلوط في مجتمع مستلب وغير متنور ودولة غائبة عن التنمية والرقابة والتأهيل، إضافة إلى مصالح ومفاسد وأموال سياسية وأيديولوجية وطائفية وتوظيفات إقليمية ألقت بالوضع اليمني إلى حالة من تداعيات الصراع العبثي والاستعداء المغلق غير المنضبط وصولاً إلى الانخراط في مظاهر الموت المجاني وتوحش المعنى والقيمة وتخريب المجتمع وتحويل الدولة إلى حالة شمولية وإلى أن يتشوه الفرد ويكون بلا أفق إنساني وليس انتهاءً بسقوط العدالة والفلسفة العليا للمستقبل الابداعي الخلاق مع انهيار فضيلة الدين المقدسة تسامحياً وجمالياً ووطنياً للأسف. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك