غاب الزمن الجميل من ثورات الربيع العربي، وارتضى المنتصر اليمني المبادرة العيب ليس في المبادرة بل في اختطافها من الأحزاب المدعمة بالثورية التي لم تر فيها إلا وقافاً وغنيمة، وكذلك الأحزاب المقابلة الموقعة على المبادرة. وفي بلدين مثل مصر وتونس أعتقد المنتصر أنه بأصواته الصناديقية قد صندق الشعب، وسينفذ أجندته الحزبية، ولا بأس من نثر فكرة وحيز لهذا أو ذاك، أما ما يعتلى الكرسي ويدنوه من مغانم فهو له، متناسياً الجماهير الشعبية وتعددياتها الثقافية وحقها العام في العمل وإدارته وقيادته، والحال كذلك لذلك التراكم الثقافي، مصر كنموذج في الحياة والمناشط الثقافية والسياحية وحجم الإنفاق والخدمات والتي شغلت حياة اقتصادية وثقافية، وشكلت مصدر دخل في المؤسسات الثقافية السينما والمسرح والحفلات، وإن كانت على غير توجهات المنتصر، ولا بأس من الإصلاح والتهذيب.. “أدعو إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”.. وما بالنا بأن تتعامل هذه القوى والأحزاب مع قضايا حياة عامة للناس بتعددياتهم الثقافية من عمل وتوجه وقيم ورثوها تحتاج لتوجيه حذر وودود لاغلق الأفواه، ومصادر الرزق والمس بالحقوق الثقافية في التعبير والوعظ والتوثيق التاريخي. وإن كان من لحظة بالرجوع إلى الماضي القريب ليذكر الجميع وخاصة من استلم الزمام، أن العيش المشترك والثورة للقضاء على الماضي الحاكم والتوق نحو التغيير يحتم عدم الدوس والتجاوز للآخر وأن تحقيق حلم الربيع العربي لا يأتي بإقصاء الآخر، شريك الأمس بل باحترام الموروث والحريات والحقوق الثقافية وحق التواجد في إدارة دفة الحكم وعدم الاعتقاد والاتجاه نحو السيطرة على مقاليد السلطة فما أضاع الأنظمة السابقة إلاّ هذه الممارسة مما استلزم الجماهير إلى خوض النضالات ضدها وما الإطارات الحزبية بتوجهاتها المختلفة إلا أشكال نظامية محددة لا تعني فرض ذاتها بل هي وسيلة مساعدة لتنظيم الحياة العامة والتعبير عنها وليس إعادة صياغتها فهذه الإعادة هي عملية تراكمية تصنعها الجماهير والعوامل الزمنية والثقافية والتلاقحات الحضارية لنعد بالذاكرة إلى الوراء أي 3 سنوات إل 2011 وتقاسم الهموم والتطلعات والرغبة المشتركة في تقاسم مستقبلي لاحق للحياة لعموم أفراد المجتمع وليس لعموم الأحزاب والتنظيمات والقوى السياسية والحزبية وحتى لا يلجأ الطرف المتضرر إلى ثورات وثورات بقدر ما تسبب وضعاً آخراً كوضع مصر، فهي تسبب شرخاً عميقاً في المجتمع. ففي مصر التظاهرات والتجمعات المستمرة “موقعة الجمل للنظام السابق” الحلقات البشرية لحماية المستشفيات الميدانية وما حققته الثورات الربيعية من استسلام النظام السابق ومحاكمة رموزه. وفي تونس أول اندلاع الثورة الربيع العربي من الشاب بوعزيزي وتظاهرات لا نهائية جمعت كل أطياف المجتمع وخصوصيته المدنية والدينية إلى أن رحل رموز النظام السابق خارج الوطن. وفي اليمن تلك الشجاعة منقطعة النظير في ثورة شباب الجامعة وذلك الاعتراف الصريح بالتضحيات والمطالب للمحافظات الجنوبية منذ 2006 بتطبيع الحياة العامة وعودة المتقاعدين الذين لم تلتفت لهم السلطة حينها وأوغلت في القمع وفتحت بؤرة الصراع المذهبي مع الحوثيين ليمتد اليوم إلى محافظات أخرى وصار الحال طرفين للأسف يتباهيان بمعاناة الجماهير لصالح أحد المذهبين ودون اعتبار لطبيعتهما الأصلية والأصيلة وهي الإسلام ديناً وليس المذهب. وأيننا في اليمن من ماض قريب في الحشود البشرية المجابهة لقمع النظام السابق وفي قنصه للمتظاهرين وحصاره لهم وسيل الدماء وأولئك الشهداء والجرحى، نحن اليوم بحاجة لتنويع وتطوير القدرات للنهوض التنموي سبيلاً إلى نهوض وطني يعيد ثرواته التي لطالما نهبت ويتم توظيفها في الصحة والتعليم والبنية التحتية، فمازالت قرى اليمن محرومة من المدارس إن لم تكن بعيدة ومازالت المدارس جوفاء من المعلم والكتاب في وقت تتكدس القدرات البشرية دون عمل وكان الأجدى توفير السكن للمدرس في الريف حتى يدرس بعدل لا ينحاز لإبن الشيخ كون المدرس يسكن في كنفه وبرعايته وبالتالي يحابي الابن. لذا فإن مخرجات التنمية لشريحة الشباب طلبة متسربون من التعليم للأسباب التي أشرت لها بطالة لعدم التأهيل والانخراط في التعليم الفني والمهني والتهريب إلى دول الجوار وقوائم الترحيل ومعاناتهم خير شاهد وهروب الشباب إلى التطرف والإرهاب والجريمة. متى يتحقق الحلم بزمن جميل يتحقق بتطلعات الشعب لا بتطلعات القوى النافذة والمتوافقة متى تفرج القوى السياسية عن حلم الإنسان اليمني في التنمية ومتى تستوعب الحشود الشعبية السلمية المشتعلة وقوداً للربيع العربي ومتى تكف عن وأد المبادرة تقاسماً وسوء إدارة فما أساء لليمن والوحدة إلا الإدارة السيئة والاستحواذ على الثروات والتصرف السيء وتجييرها لأغراض سيئة. رابط المقال على الفيس بوك