تُعلمنا دروس التاريخ بأن كل حضارة تحمل في ثناياها بذور فنائها وتحلل كيانها، فضلاً عن انحسار أدوارها، فلقد تعلمنا ذلك من انهيار الحضارات القديمة في الشرق وعلى ضفتي المتوسط وكذلك الهادي عندما اندثرت الحضارات الاسبانية والتركية والبريطانية والنمساوية وغيرها ممن تهاوت أركانها جراء عوامل شتى، يأتي في طليعتها العوامل الاقتصادية..فهل نشهد مع مطلع القرن الحادي والعشرين انحلال حضارات كما شهدنا خلال تلك الفترات وتحديداً القرن المنصرم عندما انهار الاتحاد السوفييتي ومنظومة أوروبا الشرقية ؟ هذه التساؤلات راودتني وأنا أتابع خلال الأيام المنصرمة تطورات الأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدةالأمريكية مؤخراً والمتعلقة بالتجاذب القائم بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونجرس بشأن تمويل سقف الديون، الأمر الذي أدى إلى عجز الإدارة الأمريكية عن تمويل الميزانية الفدرالية، الأمر الذي كاد أن يؤدي إلى كارثة حقيقية، لولا أنه تم تلافيها بالاتفاق على صيغة تكفل الموافقة على تمويل هذه الموازنة مؤقتاً.. بمعنى آخر أن الخطورة لا تزال قائمة أمام أمريكا ما لم توجد معالجات جذرية، للمشكلة بمختلف تداعياتها الآنية والمستقبلية وامتداد تأثيراتها على دول العالم. وللدليل على خطورة ذلك يكفي أن نعرف بلغة الأرقام أن العجز في المديونية الأمريكية وصل العام المنصرم إلى أكثر من مائة ترليون دولار، حيث يتطلب الأمر من الخزانة الأمريكية الوفاء بالتزامات هذه المديونية وفوائدها.. ولعل الورقة التي تُلوَّح بها أغلبية الجمهوريين في الكونغرس ضد إدارة الرئيس أوباما إنما تستهدف الضغط لإيقاف تمويل الضمان الاجتماعي الذي سيشمل كل الأمريكيين. إن تراكم المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها أمريكا الناجمة عن الركود الاقتصادي العالمي، فضلاً عن بروز كيانات اقتصادية جديدة..وكلها مؤشرات تدل على أن ثمة تكهنات باحتمال تراجع النمو في الاقتصاد الأمريكي ..وبالتالي انسحاب هذه المؤثرات على الوضع الداخلي الأمريكي والتقليص من دورها الفاعل في العالم وانعكاسات ذلك على اقتصاديات العالم النامي. وإذا سلمنا جدلاً بهذه بصحة هذه المؤشرات فإن ذلك سيؤدي إلى سقوط الأمبراطورية الأمريكية في نسختها الراهنة، خاصة إذا ما تجددت إشكالية الاختلاف على السماح برفع سقف الدين الذي يُمكن الحكومة الأمريكية من تسيير شئون الإدارة والاقتصاد في بلد ظل يُنظر إليه على الدوام باعتباره القوة الأعظم في العالم.. فهل تتحقق هذه الفرضية!؟. رابط المقال على الفيس بوك