ما يدفعني للكتابة تحت هذا العنوان؛ هو الاهتمام البالغ بمظلومية المرأة المسلمة حتى وازت في صيتها المظلومية اليهودية (الهولوكوست) التي تعرضت للمزايدة والتضخيم على حساب الفلسطينيين والعرب أجمع. وقد استفتح هذا العلمانيون والليبراليون دعاة التحرر من كل القيود العلمية والدينية والثقافية والاجتماعية رغبة في إمرار مخططاتهم الخبيثة في زعزعة الدين الإسلامي وتهتيك قواعده وأركانه بمثل هذه الجدليات الملتبسة، وتتبعهم مباشرة مفكرو العرب المتأثرين والمنبهرين بحضارتهم وثقافتهم الناشئة على أنقاض الدين والقيم المجتمعية. وكالعادة، وإثر كل قضية يثيرها الغرب نجد أبناء العرب يتهافتون لالتقطاها ونشرها بالحرف الواحد لكأنها نزلت قرآناً من السماء أو كلمة انبست من شفة رسول! ولا عجب في ذلك، فواقعنا يحكيه ابن خلدون في قوله: “إن الأمم المغلوبة تحاكي الأمم الغالبة في كل شيء” وأقولها متأسفاً!. فهناك الكثير من القضايا التي أعلنها الغرب بشأن الإسلام بدئاً بالعلمانية اللائكية المنادية بفصل الدين عن الدولة للقضاء على الدين ومروراً بالعولمة الاقتصادية للقضاء على الدولة وانتهاءً بقضايا المرأة والجندر والعلاقات غير المشروعة للقضاء على القيم والأخلاق .. وهلم جرا وللأسف أن كثيراً من الكتاب العرب على اختلاف مشاربهم ومبادئهم ونياتهم ينساقون مع تلك المزاعم انسياقاً سلسلاً دون أدنى تفكير واعٍ مستبصر بما تحمله تلك الحملات من أهداف ومساعِ شرسة تستهدف الجسد الإسلامي الكبير، فلا يفتأون ترديد شعارات ممالئة للغرب تتبنى فكرتهم ومطلوبياتهم وبالمشروطيات المطروحة منهم دون نقاش أو اقتراح أبسط تعديل أو مراعاة للمتغيرات الزمانية والمكانية والهياكل المجتمعية لكل شعب وأمة. وقد تعرضت هذه المظلومية لكثير من التشذيب والتعزيز والدعم الجم والتشهير الواسع في المحافل الدولية ومنظمات المجتمع المدني التي تنشأ خصيصاً لهذا القصد، ومن كبريات المنظمات الدولية السرية منها والعلنية، وفق أجندة سياسية واقتصادية وثقافية وفي أطر متعددة وخطط مهولة.. مظلومية المرأة في الإسلام، والتي يتشدق بها الغرب، هي أنها مكبوتة شكلياً وفكرياً وتعليمياً وسياسياً، وأنها لا تملك زمام أمرها في اتخاذ القرارات المنوطة بها، وعلى هذا فإنها تتعرض للعنف الأسري و الكبت المجتمعي والإجبار الجنسي المبكر إلى ما غير ذلك من افتراءات لا أدعي إنكارها صرفاً ولكني أستنكر نسبتها إلى غير مصدرها على أساس أنها تشريع ديني قسري. على مر القرون، ومن حمأة الجاهلية، تكون فهم مغلوط إزاء المرأة مقللاً من شأنها في المجتمع ومقتصراً دورها على بعض المهام الحياتية، ومنشأ ذلك الفهم هو ما خلفته الجاهلية من عادات وتقاليد مترسبة في أذهان البعض وليست نتاج تشريع إسلامي. وعلى العكس فإن الإسلام أولى المرأة اهتماما حثيثاً انتشلها من غياهب (الوأد) إلى حظيرة المجتمع، ومن وحشية وعبثية (البغاء) إلى فطرية النكاح الإنسانية ، ومن جور (النظرة الدونية) إلى عدل المساواة والمعايشة. ولم تبق من رواسب الجاهلية تلك إلا الشيء الهين الذي يعتد به رواد تلك الحملة الشعواء ويهولون من شأنه. لم يجرِ التفضيل بين الجنسين، في الشريعة الإسلامية، إلا في سياق القدرات الاجتماعية القسرية التي تختلف بينهما والمفطورين عليها، فقوله تعالى “الرجال قوامون على النساء” هو تأكيد على قدرة الرجل تدبير شؤون منزله خارجياً ما يفوق قدرة المرأة القادرة في تدبيرها داخلياً أكثر منها خارجياً، وعلاوة على ذلك هو تكليف للرجل وتشريف للمرأة، فالمهمة الأساس التي أوكلت للرجل الإنفاق لإشباع المجتمع مادياً، وللمرأة التربية لغرس القيم وأصول التربية كونها أقدر وأكفأ، ولغرض المحافظة على المجتمع وتوفير كل أولوياته تحاشياً للازدواجية التي قد تصيب المجتمع بالتأرجح المهلك إثر نقص إحدى المتطلبات، فتكثيف الماديات وإهمال القيميات يفكك المجتمع أخلاقياً المجتمع الغربي مثالاً وشحة الماديات تجعل غرس القيم أصعب وأدعى إلى تفكك الأسر وكثرة العنف المجتمع العربي مثالاً. لذلك حرص الإسلام على تحقيق مبدأ المشاركة والتكامل المجتمعي في كل شؤون الحياة ولكن بقدر مناسب وغير مخل. كما قلت ؛ لا أنكر الإجحاف الحاصل بالمرأة من بعض المجتمعات العربية التي غابت عنها مفاهيم الإسلام الحنيف وثوابته القيمية الرائدة ولا زالت توعز ممارساتها إلى عادات وتقاليد بائدة. ولذلك فالمرأة المسلمة حصلت على حقها المغتصب واستوفت حقها كاملاً وشاركت الرجل في كل محفل ديني وحضاري وعلمي بل وتعدت مشاركتها أحيانا دور الرجل ونسبة حضورها العددي تتنامى على حسابه، فشاركته في المنزل والمسجد والمعركة والسوق والمدرسة وفق القدرات المتاحة والأعمال المنوطة. المرأة التي ينافح من أجلها الغرب بدعوى (الزواج المبكر) هي التي يقصد جرها إلى تبني علاقات جنسية غير مشروعة في ذات العمر، والمرأة المسلمة التي تمضي طريقها بكل أنفة و حشمة يحرص الغرب أن يجعلها المرأة التي يرتكب بها الفاحشة على رؤوس الأشهاد تحت مظلة التحرر والمرأة المسلمة التي تعيش كالملكة في بيتها تأمر وتنهي ما حيت ؛ يراد لها أن تكون المرأة الغربية التي لا يبني بها بعل واحد ، وإن تزوجت هجرها أبناؤها وأناخوا عنها لو كبرت وتحول سكنها من دار (الملك) إلى دار (المسنين والعجزة). ما أنقمه عليهم هو تهويل هذه المظلومية وتضخيمها وجعلها في مصاف المهام المستعجلة، وهناك من القضايا ما تحتاج إلى نصف هذا الاهتمام، حتى يكون التكامل والتوازن. والمرأة المسلمة في غنى عن تلك الحملات فإيمانها بأن الإسلام أعاد لها كل الحقوق المنتزعة منها في فترة اللا دين واللاوعي، يزيدها ثقة بأنها لن تظلم مرة أخرى في فترة الكمال الديني والخلقي والحضاري، وأن أفعال الجاهليين المنافية لروح الإسلام ستلقى الردع الكافي وستواجه بالحجة والبينة. [email protected]