الإنسانية..كلمة عظيمة تحمل في طياتها جزيل المعاني وأنصعها وهي الفطرة التي يولد المرء عليها فتتغير بتغير البيئة وما حولها. إنها الاستجابة الحقيقة لنداء الطبيعة وبني البشر للتخلص من الضيم والشر،وهي أيضاً معنىً كبير لسجية الاستخلاف في الأرض شعوراً وحياة. قلما نجد اليوم من يعي الانسانية حقاً ، ويعتقد أنها هبة الوجود التي بوجودها تصبح الحياة جميلة ويسود البشرية الحب والإخاء والرحمة. إن الشعور بالإنسانية يتجلى في واقع المرء دونما توار فبها يتحقق الأمن ويتعايش الناس وتضمحل مشاكلهم وتنتهي عتمة السواد التي تسيطر... بدون الإنسانية يصبح المرء وحشاً يقترف كل الجرائم وقد يرتكب المحرمات لأن ضميره سلب منه وبات في عداد المفارقين للدنيا وهو على ظهر الأرض لأنه تخلى عن فطرته وتكوينه الأساسي. الإنسانية أساس الإنسان وبها سمي وهي كل لايتجزأ وكذلك الاخلاق كبناء لذاته ومعناه فبها يكون أكمل وحياته أجمل. لو تحلى الناس بإنسانيتهم لملئوا الكون سعادة وأمنا وخيرا ، ولتعاون الجميع فيما بينهم ولأصبحنا نعيش في رفاهية دائمة. إن مجرد الإحساس بها يهبنا شعوراً رائعاً يتملكنا ولا نحب أن يفارقنا أبداً.وإذا كانت- أي الإنسانية – موئلاً لبعث الخير فإن الأخلاق هي الخير للدنيا. أردت أن أستلهم من شعوري السابق ما يمكن إسقاطه على واقعنا المعايش فخلت الحياة من الإنسانية إلا كسم الخياط. هل كان للقتل أن ينتشر..؟ وهل كان للفوضى ومعمعة التخريب أن تبرز كعنوان دائم..؟ وهل سنعاني نحن من قساوة العيش وندم الحياة وضير البقاء إن لم تكن الإنسانية تحتضر..؟! تخلى الإنسان عن أساسه ولكم أن تتخيلوا بناء بلا أساس بالأصل كيف سيكون؟! إننا نعاني من فلسفة « ال أنا » الطاغية على كل وجودنا وبها يتعامل الناس اليوم مع غيرهم وعليها يبنون تصوراتهم وتطلعاتهم.. إنها المصلحة المبطنة بالطمع والجشع والتخلي عن كل القيم والفضائل الإنسانية المغروسة في الذات. من الصعوبة بمكان أن تجد إنساناً يملك شعور الحب لكل بني البشر على أساس الإنسانية لأننا نعيش وسط متغيرات تحمل في جعبتها تخمة لايستهان بها من الأحداث والوقائع المفسدة التي هدمت التعاون والتعايش وحب البقاء للآخرين كبشر. يتخلدني شعور بالأسى على جحيم يصنعه أناس من ذوينا وأستذكر هنا رواية “ لو أحسن الناس “ للكاتب الراحل مصطفى المنفلوطي وهو يقسم الناس فيقول : إني أرى الناس أربعة...مستبد جبار يتخذ من إحسانه استعباداً للإنسان ، وإنسان بإمكانه أن يضحي في سبيل مصلحته بكل الناس ،والثالث لاينفع نفسه ولا الناس ،أما الرابع فيحب للناس كما يحب لنفسه فهو إنسان. ويتجلى لي قول الفيلسوف اليوناني “ ديوجين “ حينما سئل:ما يصنع بمصباحه ؟ وكان يدور في بياض النهار ،فقال: (أفتش عن إنسان). وما زلنا منذ قرون نفتش عن إنسان ولم نجده وإن وجدناه فإن الشر لا يسلمه أبداً حتى يذيقه مرارة من أذاق قبله. من أجل أن نحيا الحياة كما يجب.. علينا أن ننطلق من منطلق الإنسانية لنهب الحياة للجميع باختلاف أجناسهم ولغاتهم وثقافاتهم وحتى دينهم ..من أجل الحياة شعوراً وإيماناً بحق الآخرين لنسهم فيها من أجلهم. رابط المقال على الفيس بوك