يمنون علينا منذ نصف قرن ويزيد! فلولاهم ماكنا عشنا جيلاً بعد جيل على هذه الجغرافيا (بسلام) ،فهم الذين حررونا من اعتى نظام استبدادي كهنوتي عفن مر على تاريخ البلاد!. ووحدهم من اجَل ذهاب البلاد الى تشظيات عديدة في السبعينيات في ذروة تصفيات الرؤساء! واحتراب الشطرين! وهم الذين عمدوا بالدم (دم غيرهم)وحدة البلاد في صيف 94. وليس غيرهم من ضحى بالغالي والنفيس في العام 2011م حتى لا تنزلق البلاد الى الحالة الصومالية وتاليا السورية. لهذا من حقهم ان يحكموننا كيفما ارادوا ،فلسنا اكثر من ضيوف ثقيلي الظل على طيبتهم وكرمهم . فمن هؤلاء يا ترى؟ هم باختصار من ذهبوا الى الجمهورية مطلع ستينيات القرن الماضي ، من اجل اعادة تدوير ثأرهم داخل مربع المذهب ، فالزيدية القبلية التي ارادوها ماركة مسجلة باسم الشيخ ، قررت ان تحتل موقع الزيدية الدينية الحاكمة التي اسقطتها ثورة سبتمبر 1962م خوفا من ان تشغر الحكم القوة الطالعة من ثقافة وبيئة مختلفة عن توحشات الجغرافية الجدباء (شباب قدموا من تعز وإب وعدن انخرطوا في معارك الدفاع عن الحلم الجميل) أما القوى النابتة من تكوينات اجتماعية محتقرة هي الاخرى استطاعت كسر تابو تراتبية العيب و«تدوين» المهنة واعتباطها( المزينون والاخدام والجزارون صاروا رقماً في المعادلة الاجتماعية الجديدة) بفعل القوى الجديدة هذه برزت اللحظة الفارقة للوعي وتخلق المجال السياسي والاجتماعي المختلف المعبر عن روح الثورة ، التي تحولت خلال الاعوام الخمسة اللاحقة 62/ 67 الى تصادم مع البنية الصلبة للقوى التقليدية وتحالفاتها الاقطاعية مع مشايخ اليمن الاسفل (الشافعي)، لتستفيد الاخيرة من تداعيات النكسة العربية في صيف 1967م لتنجز انقلابها الكارثي في الخامس من نوفمبر من ذات العام، وفي اقل من عام نفذت في اغسطس 1968م مخططها التصفوي الطائفي لمرموزات الثورة الشابة التي استطاعت كسر حصار صنعاء، ففتحت كل الطرق امامها لتمرير التسوية السياسية(الجمهورية /الملكية) مطلع السبعينيات برعاية ووصاية سعودية ،تمكنت من خلالها مع القوى الملكية العائدة الاستحواذ على مفاصل السلطة مطوعة الدولة الناشئة لهيمنتها (ابتلاع السلطة للدولة الهشة)، اما عملية الازاحة التي حاولت حركة يونيو تنفيذها ضد هذه المراكز فقد انتهت بتصفية رمزها ابراهيم الحمدي في اكتوبر 1977 بعد ثلاثة اعوام من حكمه فقط (الاعوام التي فتحت امام اليمنيين كوة جديدة للأمل) طيلة عقد الثمانينيات عززت هذه القوى من حضورها في الحياة السياسية والاقتصادية اذ تحول رموز المشيخ والعسكر ورجال الدين الى وكلاء تجاريين ومضاربي عقارات واقطاعيين زراعيين في سهل تهامة بتسهيل من المركز ، وحين ذهبوا الى الوحدة مطلع التسعينيات استرشدوا بمتاحات القوة الخشنة في تركيبتهم (امتزاج الفتوى والعسكرة والتعصب الجغرافي) للإطاحة بمشروع الاتجاه المدني وحوامله السياسية الذي مثله الطرف الآخر في مشروع دولة الوحدة(الحزب الاشتراكي اليمني والاتجاهات القريبة منه) وهو ما تحقق لها في صيف 1994م، حين استباحت جغرافيا الجنوب ،وتقسيم مقدراتها وثرواتها فيما بين رموزها كغنيمة حرب، وطيلة عقد ونصف عملت على تعزيز وتقوية وجودها اكثر بتشبيك مصالحها ,على قاعدة تقاسم السلطة والثروة ، فتحولت القوى التي تتنازع الحكم الى طبقة تجارية ملتهية بمصالحها وتركيم ثروتها، لكنها عندما احست بارتخاء قبضة الحاكم، وحضور مشروع التوريث في الواجهة منذ 2006 بدأت تعيد انتاج تحالفاتها بحسابات بعيدة عن رأس الحكم ،لهذا حين انفجر الشارع مطلع 2011م بتنوعه الجغرافي والاجتماعي والسياسي سارعت هذه القوى الى اعادة تقديم نفسها كقوى ثورية (تماما كما فعلت مع لحظة الجمهورية الاولى)،وجاهدت ايضا لإنتاج تسوية سياسية جديدة وبرعاية سعودية ايضا حافظت من خلالها على وجودها على قمة هرم السلطة ،مبتلعة مرة اخرى حلم الجميع في التغيير. وحين ذهب الجميع(منقوصين من الطرف الأقوى في الحراك) الى مؤتمر الحوار، بدأت هذه القوى تتكتل في مربع اللا تغيير(الفعلي) ،فالتغيير المرفوع في شعارها كان هو تغيير رأس الحكم ،وليس تفكيك البنية الصلبة للتخلف الذي تعتاش منه اصلا. وتغيير الحاكم عندها كان حفاظا على مصلحة الطرفين معاً، كون التغيير الحقيقي يهدد وجودها الفعلي. الكثير من العوامل ساعدت هذه القوى على الحضور في الحياة السياسية والاستمرار فيها كلاعب مهم ،يأتي على رأسها ضعف القوى السياسية المدنية وتشتتها وتدني الوعي العام بفعل السياسات التعليمية والاقتصادية الكارثية التي انتهجتها سلطة هذه القوى وافضت الى خلق جيل ضعيف يلهث خلف قوت يومه وأمنه(الذي استخدم كشعار ترويعي في الشارع طيلة عقود ) وحين واتت هذا الجيل فرصة التغيير استطاعت القوى نفسها الالتفاف عليه دون عناء. في الظاهر قد تبدو للمتابع عملية تحول هذه القوى الى مراكز قوى متعارضة المصالح غير انها في الجوهر كتلة صلبة واحدة يقوم وجودها على استبدال السلطة بالدولة، والسلطة بهذا المفهوم وبما تمرست عليه لنصف قرن هي جملة التأثيرات اليومية التي تفرضها على الحياة العامة للمواطنين، الذين اريد لهم ان يحيوا على حافة المن الأبدي. ترفع شعار الوحدة بوصفها قضية وطنية والوحدة ليس اكثر من مصالحها المتراكمة على مدى عقدين في الجنوب، وترفع شعار المقدس ليس حبا في الدين وسماحته وانما لاستخدامه كوسيلة لابتزاز المجتمع حكاما ومحكومين. [email protected] com com رابط المقال على الفيس بوك