زمان كان «أصحاب البلاد» في كل مرة يزورون تعز قادمين من صنعاء لا يتحرّجون من التصريح بشعور أن تعز قرية مقارنة بصنعاء كمدينة, كنت وبعفوية الطفل أحقد على صنعاء غيرة على تعز, لأني كنت ابن تعز وتربّيت في تعز، وكنت أجدها أفسح المدن وأجملها, ولم تكن بعد مفردات السياسة قد تغلغلت في طريقة تفسيري للأشياء, إذ كنت أجد أن صنعاء بحكم أنها مرتفعة عن سطح البحر وفيها الوزارات والسفارات هو تفسيري البسيط لنظرة أبناء تعز القادمين من صنعاء لمدينتهم الأم, إضافة إلى أني لم أكن أعرف صنعاء ولم أزرها من قبل. والآن وبعد سنوات لم تتغير مشاعر القادمين إلى تعز من صنعاء, فلايزالون ينظرون إلى تعز على أنها مازالت هي القرية، مع فارق أنها تضاعف قرويتها في مقابل توسُّع صنعاء وتمدُّدها، ويتجاهل معظمهم البحث في سبب بقاء تعز على هذا الحال, وبسهولة يمكن لأحدهم أن يلقي باللائمة على أبناء تعز بكونهم هم السبب الرئيس في بقاء تعز على هذا الحال, لكن عندما تحاول أن تشرح لهم سيُفاجئونك بمعلومة هي أن معظم رؤوس الأموال في صنعاء يملكها تجار من تعز, ومعظم المؤثّرين في المسار السياسي هم من أبناء تعز؛ وهي المدينة الأكثر تصديراً للفاعلين والناشطين، متجاهلين أن نظاماً ظل لعقود يفرغ كل شحنات الحقد تجاه هذه المدينة التي رفضته وعارضته منذ البداية وسعى رجالها منذ الشهور الأولى لحكمه إلى إسقاطه وتخليص البلد من كتل الحقد التي كان يحملها تجاه كل ما هو مدني وفاعل. لقد سعى نظام علي صالح لنقل كل الأنشطة إلى المركز لضمان تركُّز السلطة هناك في صنعاء, وحاول بطرق شتى جلب التجارة وتركز الرأسمال هناك بحيث يضمن تدفُّق الجميع نحو المركز لكسب لقمة العيش, وهذا هو حال الأنظمة المتخلّفة في كثير من البلدان العربية. والآن وبعد سنوات من هذا الشعور تجاه صنعاء؛ لم يعد لديّ من تفسير سوى أن كل مدينة ومحافظة في هذا الوطن قد نالت نصيبها من الأذى بما فيها صنعاء, ولم يعد من شعور داخلي تجاه صنعاء سوى أننا جميعاً كنّا ضحايا لهذا الفكر القبلي الذي ظل يحكم بذهنية أن المركز هو المسيطر؛ وما دونه لابد أن يكون خاضعاً له؛ بحيث يضمن بقاء سلطته الديكتاتورية، ولكي يُشبع أزمة النقص لديه. رابط المقال على الفيس بوك