العليمي يجتمع بهيئة مستشاريه ويؤكد أن الدولة لن تسمح بفرض أمر واقع بالقوة    الدكتور العليمي يرحب برسالة وزير الدفاع السعودي ويؤكد أن المغامرات لا تخدم الجنوب    اجتماع برئاسة العلامة مفتاح يناقش آلية تطوير نشاط المركز الوطني لعلاج الحروق والتجميل    الإفراج عن 108 من سجناء الحديدة بمناسبة جمعة رجب    مهرجان جماهيري ومسيرة حاشدة في المسيمير الحواشب للمطالبة بإعلان دولة الجنوب العربي    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    قراءة تحليلية لنص "لو تبلعني الارض" ل"أحمد سيف حاشد"    إيران تدين انتهاك الاحتلال الصهيوني لسيادة الصومال وتدعو لتحرك دولي حاسم    انتقالي حضرموت يقر إقامة مليونية كبرى بساحة الاعتصام المفتوح في المكلا    وزارة الإعلام تدشن خطة شاملة لإحياء شهر رجب وتعزيز الهوية الإيمانية    الرئيس يثمن الاستجابة العاجلة للتحالف من أجل حماية المدنيين في حضرموت    حملة أمنية تحرق مخيمات مهاجرين غير شرعيين على الحدود بصعدة    الأرصاد يخفض التحذير إلى تنبيه ويتوقع تحسناً طفيفاً وتدريجياً في درجات الحرارة    4 كوارث تنتظر برشلونة    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    قرقاش يدعو إلى تغليب الحوار والحلول المتزنة كأساس للاستقرار الإقليمي    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    خبير طقس يتوقع ارتفاع الرطوبة ويستبعد حدوث الصقيع    ترميم عدد من الشوارع المحيطة بشركة ( يو)    قمة أفريقية..تونس ضد نيجيريا اليوم    من يحرك أدوات الامارات في حضرموت والفاشر    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الولايات المتحدة تعرب عن قلقها إزاء التطورات في جنوب شرق اليمن دون توجيه أي موقف عدائي للجنوب    المغرب يتعثر أمام مالي في كأس أمم إفريقيا 2025    ترامب يلتقي زيلينسكي غدا في فلوريدا    لمن يريد تحرير صنعاء: الجنوب أتخذ قراره ولا تراجع عنه.. فدعوه وشأنه لتضمنوا دعمه    لماذا يفشل خطاب الوصاية أمام التاريخ الجنوبي؟    خطورة التحريض على القوات الأمنية في حضرموت    جُمعة رجب.. حين أشرق فجر اليمن الإيماني    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    شاهد / حضور كبير لاحياء جمعة رجب في جامع الجند بتعز    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    خلال يومين.. جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإعادة ووقف التعامل مع ثلاثة كيانات مصرفية    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى اليوم الذي غيّر مجرى الأحداث
نشر في الجمهورية يوم 26 - 09 - 2007

هكذا نحن اليمانيين عند قدوم وحلول ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر من كل عام ، فإن حالة من المشاعر والأحاسيس تعتري وتنتاب أبناء الشعب اليمني، خاصة أولئك الذين عاصروا ذلك الحدث العظيم الذي فاجأ العديد من الدوائر المعادية للأمة العربية، وكذا الدوائر الغربية بما تمتلك من قدرات يومذاك وأجهزة استخبارية عالية الخبرة والتقنية ، أقول إن حالة من مزيج متداخل من تلك المشاعر مقرونة بصور ومواقف وذكريات تجعل المرء يتسمر مكانه وهو بحالة إجلال ورهبة تسيطر على كيانه بطريقة لاشعورية ..
أما : لماذا ؟ ففي تصوري وتقديري أن ما حدث كان حلماً يراود الكثير من الشهداء الذين استشهدوا في سبيل إعلان هذا اليوم .. ولأن البلاد قد كانت أشبه ماتكون بسجن موحش رهيب وأن معظم الناس شبه أحياء أو هم بين الموت والحياة ، بسبب الأمراض الفتاكة ، وسوء التغذية والجهل بأسباب وطرق الحياة العصرية .
ففي فترة من بداية ثلاثينيات القرن المنصرم وأنا حوالي في الخامسة من العمر ، انتشر في أرجاء البلاد كلها مرض الطاعون الذي كان يحصد في اليوم الواحد العشرات من المصابين .
وفي إحدى السنوات تعرضت البلاد لمجاعة مميتة دفعت الناس لالتهام العديد من الأشجار (كالحلص) و(العثرب) وخلاف ذلك .. أما الاغتسال وغسل الملابس فإن أغلب الناس المعدمين قد كانوا يستخدمون نوعاً من أنواع الصخور المستتربة أو التي تحللت بعروق بعض الصخور واكتسبت لونين ، أبيض وأحمر ، وتكون بالفعل بها مادة مزيلة للأوساخ ؟!
القرن المنصرم ، عاد والدي من مدينة عدن رحمة الله عليه فأخذني فجر يوم شقي بمعيته ، وكان تارة يحملني على كتفه وأخرى يجرجرني بيده .. كما لو كان يجر قطعة من الخشب .. وعندما وصلنا إلى منطقة (طور الباحة) تجمعنا بجانب إحدى السيارات وبعد أخذ ورد لم أدرك تفاصيله ولعل إن «السّواق» قد طلب أجراً لايطاق ، أو إن السيارة لم تستوف العدد المطلوب من الركاب .. وعليه تحركت بمعية والدي وعدد من رفاق الرحلة ومن ضمنهم :
(طبل القرية) أي بعبارة أوضح (الجمّال) الذي يوصل من عدن إلى القرية مصاريف الأسر الساكنة في القرية من ذويهم العاملين في مناطق عدن المختلفة .
إلى جانب خطابات الجانبين .. أو ماكان يعرف باسم التعاريف ، أو التعريف للمفرد ،، تحركنا باتجاه منطقة (الشوضيف) وهي منطقة على ما أذكر تتبع مديرية (شعب) أو الشعيب.
ففي منطقة الشوضيف هذه تقع فرزة الجمال الذاهبة إلى (لحج) كان الوقت ظهراً تقريباً .. «تغدينا» ولربما أن البعض (خزن) لا أدري المهم انطلقنا عند غروب الشمس.
ركب والدي بجانب وأنا بالجانب الآخر من القعادة أو الهودج المثبت على ظهر الجمل .. كانت رجلاي تتدليان الى أسفل الأمر الذي شعرت بضيق ، وتعب بعد مرور مسافة في ذلك الليل البهيم .. عندئذ طلبت من والدي النزول وآثرت المشي على ذلك الوضع المتعب وبالفعل كما قال الشاعر :
مشيناها خطى كتبت علينا
ومن كتبت عليه خطى مشاها
مشينا بقافلة من الجمال وهي تقطع تلك البراري والقفار حتى بدأت شمس ذلك اليوم الشاق تنسج خيوط فجر يوم جديد ، وما هي إلا ثوان حتى أخذنا نلمح معالم مدينة : الماء والخضرة والوجة الحسن .. إنها مدينة القمندان .. هذا الفنان الذي جمع في شخصيته أكثر من رجل وأكثر من موهبة وقدرة فإلى جانب كونه أميراً من أمراء لحج وحكامها إلا أنه قد كان شاعراً فذاً وفناناً موهوباً .. وبهذه المناسبة لرحلتي الخيالية هذه والسفر عبر تلك الصحاري والوصول الى لحج ثم بندر عدن ، كما كان يطلق عليه ..
أقول بهذه المناسبة دعوني أدعوكم لسماع أبيات من شعر أمير لحج وهي أبيات قد استمعنا إليها من أكثر من فنان ومغنٍ :
هل أعجبك يوم في شعري غزير المعاني
وذقت ترتيل أبياتي وشاقك بياني
هل أسمعك فضل يوماً في الغناء ما أعاني
وكيف صاد المها قلبي وماذا دهاني
وأنت بالعود وطعم المثاني
وهل دعاك الهوى يوماً كما قد دعاني
عند وصولنا إلى حوطة لحج ومشاهدة بعض معالمها لم أكن بذلك العمر أفقه أو أعلم عن تلك المدينة وفنونها أي شيء للذكر .. وكل ما شد انتباهي فقط حركة السيارات ، وحركة الدراجات الهوائية التي كانت منتشرة آنذاك .. خاصة في لحج ومدينة الشيخ عثمان.
بعد مغادرتنا مدينة لحج ، ووصولنا إلى النقطة الفاصلة بين مستعمرة عدن ومحمية لحج بمعنى أن لحج كانت قد حظيت بنظام أقرب إلى الحكم الذاتي وكان مجلس محلي مخول يسن نظماً وقوانين خاصة بلحج .. المهم أن جنود الاحتلال كانوا يوقفون كل المسافرين وانزالهم للرش على أجسادهم مادة قاتلة .. لبعض الأمراض ؟؟
لقد كانت مناظر مهينة لكل قادم من الشمال اليمني إلى عدن وفي مدينة عدن يبدأ المرء يحب ويشعر أن حياة مختلفة قد اخذت تدب في جسده ، وليس هذا فحسب ، بل إنه يبدأ يحس أن تحت جمجمته عقلاً يرى أموراً غير تلك الأمور القاتمة السواد التي يراها هناك بمسقط رأسه وفي البلاد التي تتساقط فيها أرواح الناس ، كما تتساقط أوراق الخريف من المجاعات المدمرة والأمراض الخطيرة والفتاكة .. إنه عالم آخر هذا الذي يشاهده هذا الطفل الذي لم يتجاوز السابعة .. ثم بعد أيام قلائل وعند مرور موظفي الصحة والوقاية الأولية يتفقدون المطاعم والمنازل لمدى صلاحية المياه والأوعية المحفوظة بها ، وكذا أدوات مطابخ المطاعم .. في ذلك اليوم لاحظ مسئول الصحة أن ملامحي تدل على أنني قادم من الشمال .. سجل بدفتره بعض الملاحظات أدرك والدي رحمة الله عليه نيتهم بتلقيحي فأسر ذلك في نفسه .. وكان كل ما سمع عن قدوم موظف الصحة المكلف بالتلقيح أخذني إلى المخبأ تحت أي سرير أو خلف أي «شوال» أو برميل.
اعتقاداً من آبائنا يوم ذاك أن هؤلاء الأجانب لا يقدمون لنا أي خير ،إن هذه اللقاحات لا تحمل لنا إلا الامراض والمكاره .. إلا أنه مع ذلك لم يقدر على هذا الاحتراز .. فذات يوم هجموا فجأة وأنا خارج المحل مع بعض الأولاد الذين كانوا قد أخذوا اللقاح .. فغرسوا المشرط في ذراعي فظهر والدي غاضباً بدون جدوى ..
وما إن غادروا المكان حتى أخذني بسرعة إلى الحمام لغسل موضع التلقيح ؟
عوداً على بدء أعود لذلك اليوم التاريخي المجيد يوم السادس والعشرين من سبتمبر وبطبيعة الحال فإن الأحداث عقب وفاة الطاغية أحمد حميدالدين تسارعت وإن بشكل خفي من أوساط الضباط الأحرار في كل من تعز وصنعاء.. وبدأت الاخبار تصل إلى عدن لأناس مهتمين بالشأن الوطني والحركة الوطنية ، تفيد أن هناك أحداثاً قادمة تنتظر شمال اليمن .. وكان الكثيرون يمسون ويصبحون وأجهزة الراديو ملاصقة لآذانهم ، وفي صباح يوم السادس والعشرين من سبتمبر ذلك الصباح الذي صوره لنا شاعر اليمن الكبير الأستاذ/ عبدالله البردوني ، فأبدع وأغنى وأجمل ذلك الصباح المشرق النقي فيقول :
أفقنا على فجر يوم صبي
فيا ضحوات المنى اطربي
أتدرين ياشمس ماذا جرى
سلبنا الدجى فجرنا المختبي
والعودة إلى ظروف وأوضاع الشعب في ظل حكم الإمامة فإن أحسن تصوير وأدق تعبير كان قد قاله شاعرنا الشهيد : محمد محمود الزبيري رحمه الله في قصيدة عصماء أورد منها هذه الابيات :
مالليمانيين في نظراتهم
بؤس وفي كلماتهم آلام
جهل وأمراض وظلم فادح
ومخافة ومجاعة وإمام ؟
والناس بين مكبل في رجله
قيدٌ وفي فمه البليغ لجام ؟
وعودة إلى يوم الميلاد الجديد يوم السادس والعشرين من سبتمبر .. فإنني قد تلقيت الخبر عبر تلفون من مدينة كريتر إلى عدن الصغرى التي كنت أعمل فيها كعامل فني ، وكان المتحدث هو الاستاذ/ محمد علي الأسودي رحمه الله .. وحيث كنا كزملاء بالاتحاد اليمني .. فقال لي عبده: افتح راديو صنعاء .. وأضاف وعليك الحضور لمقر الاتحاد بعد الظهر .. والحقيقة إن المرء ليعجز عن وصف مشاعر الفرحة والسرور التي غمرت كل أبناء اليمن وبوجه خاص أولئك الذين كانت لهم جملة من القواسم المشتركة بوحدة اليمن ومقاومة الاحتلال أكانوا من ابناء الشمال أم الجنوب .. لقد ارتفعت أعلام الحرية على معظم المركبات والسيارات وأخذ الناس كل الناس يتبادلون القبل ، والكثير منهم خاصة الموسرين يدخلون إلى المطاعم يدفعون حساب كل من يوجد في المطعم للغداء أو الفطور .. وتكرر هذا الموقف في اسواق الخضار والقات وعلى الحافلات ، وخلاف ذلك ولقد غمرت الناس موجة عارمة من البهجة والسرور التي قلما عرفوها ..
وفي صباح اليوم التالي أقيم بدار الاتحاد اليمني مهرجان خطابي كبير تحدث فيه العديد من الخطباء والشعراء والمناضلين ..
بعد ما تلقيت مكالمة الهاتف من الاستاذ/ الأسودي فتحت الراديو فإنني قد ازددت سروراً وغبطة .. خاصة وأنا استمع للأخ الزميل /محمد عبدالله الفسيل وصوته يجلجل عبر موجات الأثير فقد كان الأخ الفسيل قد غادر مدينة عدن قبل فترة وجيزة ، علاوة إلى صوت الأخ/ علي أبو لحوم وعدد من الضباط الذين استولوا على مبنى الإذاعة ، ثم بعد ذلك صوت الاستاذ الدكتور/ عبدالعزيز المقالح، بعد أيام غادرنا مدينة عدن إلى مدينة تعز .. نزلنا بدار الضيافة الذي تقع فيه حالياً مالية تعز ، ثم بعد ذلك توجهنا إلى صنعاء .. خلال ترحالنا من عدن إلى صنعاء عبر تعز كانت تشد أنظارنا بذهول مدهش تلك الجماهير الغفيرة التي تشكل أرتالاً بشرية زاحفة نحو عواصم المحافظات مرددة بأصوات مدوية تشق الأجواء وتتردد على جنبات شامخات الجبال والوديان هتافاتها المؤيدة للثورة ورجالها البواسل.
وعقب وصولنا العاصمة صنعاء كان مالم يكن بحسبان الكثيرين من أبناء الثورة ، ومن عامة الشعب فبدأت جرعات خيبة الأمل تتوالى إلى صدورنا ولست بحاجة إلى سرد أحداث ما جرى، فذاك يتطلب وقتاً طويلاً للكتابة بينما أنا بصدد وتنظير بعض ذكريات هذا اليوم الذي غير مجرى الأحداث في الجزيرة العربية .. وبعد فلقد مرت الثورة بسلسلة من الملاحم البطولية والأحداث الجسام ولكنها رغم كل تلك الأحداث خرجت منتصرة ظافرة وكان آخر انتصاراتها قيام وحدة اليمن ، وعلى أسس ديمقراطية تعددية .. وإن ما تحقق من منجزات شتى لأمر يدعو إلى الفخر والاعتزاز .. إلا أن أبناء شعبنا اليمني بعد أن انطلق من عقاله وهد السجن والسجان تفجرت من أعماق أعماقه نزعة الطموح والتطلع اللا محدود التي كانت كامنة بعمق وجدانه قبل قيام الثورة بحكم حالات الجهل والمرض والفقر التي كانت تحول بينه وبين القيام بدوره المطلوب .. وإن المرء ليستغرب أيما استغراب عندما تعود به ذاكرته إلى تلك الظروف القاهرة التي كان يحياها أيام حكم الأئمة وكيف كان الكثيرون شبه راضين ومستسلمين لذلك الحال.
ففي تصوري وتقديري إن نسبة ومقدار الوعي لدى أية جماعة أو شعب من الشعوب هي المحفز والدافع لرفض أو قبول أي خيار أو وضع .. بمعنى أن كل شعب بمقدار ما لديه من الوعي وأعني بالوعي هنا : فهمه لجملة من المعارف ، والعلوم المختلفة .. وبمقدار ذلك الكم من الوعي تتكون لديه درجات الاحساس ، والشعور ، وبالتالي بالمرارة أو الرضى تجاه أي وضع من الأوضاع أو حالة من الحالات وهنا يحضرني بيت من الشعر للشاعر الحكيم المتنبي حيث يقول فيه :
ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله
وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم؟
بمعنى آخر أن الإنسان كلما ازداد وعياً وعلماً وثقافة ، كلما ازداد احساساً بقضايا الوطن ، وهموم الناس ، ومعاناتهم ومشكلاتهم ..
وخلاصة القول فإنني لا أدري إلى أي مدى صحة وسلامة هذا الطرح .. وعلى كل الأحوال فإن كلامي هذا قد يحتمل الخطأ ويحتمل الصواب.
وأخيراً وليس آخر إذا كان لي من كلمة أخيرة بهذه المناسبة ، فليست سوى تحية إجلال وتقدير لكل شهداء الثورة سبتمبر واكتوبر .. والتهنئة الحارة للشعب اليمني العظيم بهذه المناسبة .. ولقادة الثورة الثالثة أي الوحدة، التهنئة أيضاً ، وللرئيس علي عبدالله صالح التوفيق والسداد لقيادة البلاد لحياة أفضل..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.