العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد العزيز الكُميم ل النصف الآخر(1): شاهدت زعماء الثورة في الثامنة من عمري
نشر في سبأنت يوم 29 - 05 - 2010

صنعاء – سبأنت: حاور الشخصيات وأعد المواد للنشر:صادق ناشر
في حياة كل فرد منا شخصيتان مختلفتان: الأولى تلك التي يتعامل معها الناس ويعرفون مواقفها وأخبارها التي تخرج إلى الناس والصحافة، والثانية تلك المخفية التي لا يعرفها سوى قلة قليلة من المقربين والأصدقاء.
وفي هذه المساحة تحاول "السياسية" الدخول في الزاوية المخفية من حياة هذه الشخصية أو تلك، من خلال حديث ذكريات يشمل أسرار الطفولة والشباب والعمل، والتعرف عن قرب على العادات والتقاليد والظروف الصعبة التي عاشها اليمنيون قبل أن يروا النور بثورتي سبتمبر وأكتوبر ودولة الوحدة.
"النصف الآخر" محاولة لإخراج ما خبأته السنوات في حياة اليمنيين، من خلال رصد الواقع الذي عاشوه ويعيشونه اليوم. كما أنها محاولة لمعرفة كيف يفكر من عايشناهم طوال سنوات ولا نعرف ما ذا يحبون، وماذا يكرهون، وكيف وصلوا إلى النجاح الذي وصلوا إليه.
تحاول "النصف الآخر" الابتعاد عن الخوض في الشأن السياسي، الذي يحبذ الكثير عدم الخوض فيه، وإن كانت السياسة حاضرة في بعض المواقف التي ضمها الحوار، لكن بشكل غير مباشر.
"النصف الآخر" سلسلة لحوارات مع شخصيات يمنية مختلفة في السلطة والمعارضة، رجالاً ونساء على السواء، ومن كل مناطق البلاد. وستكون هذه الشخصيات حاضرة بتجاربها في الحياة هنا لتكون شاهدة على صور مختلفة من حياة اليمنيين.
* بداية ماذا تبقى من ذكريات الطفولة وطرائفها لديك؟
تبقى الكثير لما كان حولي: حارة الأبهر بكل مكوناتها: الناس، الشارع، الأبنية، موسم الخريف"، خروج جيراننا: آل السنيدار، عسلان... إلى الروضة والوداع الحار الذي كان يحدث بين أمهاتنا والموتر "العنتر ناش"، وعليه جزء من أثاث منازلهم الذي ينقلونه إلى الروضة.
كما أتذكر أسرة المرحوم عبد الرحمن عبد الله الوزير، وذهابي إلى بستان السلطان والمكوث لديهم عدة أيام أستمتع في بستانهم والخضرة التي تحيط بمنزلهم من جميع الجهات. كما أتذكر أول مرة في حياتي أأكل فيها على مائدة طعام لدى المرحوم الصيدلي عبد الله الإيراني، جار والدي في سوق الملح. كما أتذكر إمام جامع الأبهر المرحوم حسين الظفري، وهو يتلو بداية "سورة الأنعام" في صلاة العشاء كل خميس...
ذكريات الطفولة قطعا لا تزال مختزنة في ذاكرتي ووجداني وأسترجع أجزاءً منها حين أقابل بعض أصدقاء ورفقاء الطفولة أو زملاء الدراسة.
* ماذا عن سيرتك الشخصية؟ أين ولدت؟ والبيئة الأسرية التي ترعرعت فيها؟
أنا من مواليد مدينة صنعاء في 1954م الموافق 1374ه، وترعرعت في "حارة الأبهر"، وكنت الولد الأول لوالدي بعد ثلاث بنات، ولي شقيق يصغرني، لكنه توفي رحمة الله عليه.
أسماني والدي "عبد العزيز" تخليدا لاسم أخ له اسمه عبد العزيز، الذي كان يرعى والدتي أثناء غياب والدي في الحبشة. عاد والدي من غربته إلى اليمن في منتصف العام 1952، وعمي صالح حسين الحثرة. استأجر والدي بيت معيض، واستأجر عمي صالح في حارة قبة القليس، كما استأجر دكاناً من المرحوم علي تلها، وكان مفتاحه إلى الجهة الشرقية من سوق الملح، وعمي صالح إلى الجهة الجنوبية، وتخصصا في بيع الأقمشة، وكانا أول من أحضر دولاباً زجاجياً للطرح والمطرزات، وأحسنا عرض بضاعتهما وكسبا الكثير من الزبائن.
* ما الذي تتذكره عن فترة الصبا الأولى في حي الأبهر وسوق الملح؟
تربيت في كنف والدي رحمه الله، وكان يزورنا شقيقا والدي الشهيد القرس أحمد الكميم والذي استشهد في منطقة "جبل الطويل" في العام 1965 إبان الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962، وعمي "علي"، وهو لا يزال حياً يرزق، أحسن الله خاتمته، وكانا يأتيان برفقة جمال محملة بالحطب والحبوب وأحياناً يحضران السمن البلدي واللبن.
وأتذكر أن والدي اشتري لي "سيكل" (دراجة هوائية)، حين بلغت السادسة من العمر، وكان يصطحبني معه باستمرار إلى دكانه في سوق الملح، وكنت ألعب مع الأخ علي بن علي اليدومي دائماً، وكانت والدته تمنحنا "جعالة" باستمرار، وأتذكر "أحسن طاهر" وأخاه "عبد الرحمن" وهما يعملان على "بمبة" بستان الكبسي.
* هل كنت تدرك الأحداث التي تدور حولك في تلك السن المبكرة؟ وما الذي علق بذاكرتك منها حتى الآن؟
أدرك وأتذكر يوم 26 سبتمبر 1962 وما بعده، يومها أخذني والدي إلى الكلية الحربية وقت الظهر، ومازلت أتذكر صور بعض الثوار، منهم من توفاهم الله ومنهم من لا يزال حياً يرزق، مثل اللواء عبد الله جزيلان، وأتذكر مشهد أربعة مدافع في سور مقبرة خزيمة، بالإضافة إلى السور الذي اخترقته دبابة المرحوم عبد الله عبد السلام صبرة.
* كم كان عمرك يوم قيام ثورة 26سبتمبر؟
قامت الثورة وعمري 8 سنوات، وكنت في ثاني أو ثالث ابتدائي.
أول يوم في المعلامة
* هل تتذكر أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة؟ بماذا شعرت يومها؟
لا أتذكر تفاصيل أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة، لكنني أتذكر أول يوم ذهبت فيه إلى المعلامة عند الأستاذ عبد الله الحيمي في مدرسة جامع طلحة، ومازلت أتذكر أنه ضربني بالعصا ضربة علقت في ذاكرتي حتى اليوم، لأنني لم أستطع أن أجلس في وضع التشهد، الأمر الذي دفع والدي إلى إخراجي من عنده.
أتذكر أيضا بدايتي مع معلامة سوق الملح، وكان مقرها بجانب محل والدي، فكان يصطحبني معه ويرجعني معه، وكانت هناك مجموعة من جيرانه، منهم محمد الجوفي وحمود العشملي ولطف هادي سالم، رحمهم الله جميعاً، وكان والدي حين يمر بهادي سالم يقول له: "امرقين الدواب" بلهجة أهل الحداء، كان هؤلاء الناس طيبين وصادقين.
* هل تتذكر شيئاً من الألعاب الشعبية القديمة؟
أتذكر "المدرهة" في موسم الحج، بالإضافة إلى اللعب بنوى التمر في شهر رمضان.
* بماذا كان يتميز رمضان في صنعاء القديمة عن أي مكان آخر؟
يفرق في العادات والتقاليد، مثلا "التمسية" التي كان يمسونها الصغار على البيوت، الإفطار في الجوامع، تلاوة القرآن من الظهر إلى صلاة العصر.
* كيف كنتم تستقبلون رمضان في صنعاء القديمة؟
كنا نستقبله بكل الترحاب، ونظل نستفسر ونتقصى من الآباء في المساجد عن رؤية الهلال ثم ننتظر الإذاعة وأحيانا يستبقون الإذاعة بإطلاق مدفع رمضان وقت العصر، إلا أن رمضان السبعين يوماً مازال محفوراً في ذاكرتي حيث كانت المدافع تدوي في أنحاء مدينة صنعاء، ولم نكن نعرف هل مدفع رمضان أم مدافع الثوار المدافعين عن الثورة والجمهورية، وقد تسحرنا في آخر يوم، وعند الفجر أعلنت إذاعة صنعاء أنه العيد.
وكنت أرى بعيني الشيخ عبد الله الأحمر واللواء علي أبو لحوم وهما يخرجان إلى ضواحي صنعاء مع أصحابهما من منزليهما للمشاركة في الدفاع عن صنعاء المحاصرة، وكان مع اللواء علي أبو لحوم المرحوم محمد بن هلال، أحد الأبطال الشجعان، كما أتذكر قائد شبعان "أبو شنب" ضد الرجعية، وأنا وأبناء الجيران نتحلق حوله وهو متمنطق بالرشاش والذخيرة حول جسمه.
في أحد أيام شهر رمضان المبارك أطلق المرتزقة قذيفة أصابت جامع الأبهر واستشهد اثنان أو ثلاثة من المصلين، ولا تزال آثار القذيفة موجودة حتى اليوم في الجامع، وقد حاولوا في السبعينيات إزالتها، لكن والدي مع آخرين أصروا على بقاء آثار هذه الجريمة كشاهد على جرائم الملكيين ضد سكان صنعاء القديمة الأبرياء.
* ماذا عن دراستك والسنوات الأولى في المدرسة؟
درست في مدرسة "الزمر"، وكان اسمها حينذاك "مدرسة الإرشاد"، وقد تحولت لاحقا إلى "مدرسة ابن الأمير"، وفي المدرسة تعرفت على مجموعة من الزملاء الذين صاحبوني في الدراسة، واستمرت صداقتنا قائمة حتى اليوم، ومنهم مطهر تقي ومحسن أبو لحوم وعلي الآنسي وأخوه عبد الله والسفير حسن الراعي وعبد الله سبنة وعبد الرحمن السخي وعبد الله محمد الحضرمي وعبد الله الأهجري ومحمد الجعدبي... وكان يدرسنا أساتذة أجلاء رحمهم الله جميعا، من بينهم الأستاذ المسوري، حميد الدين وعلي الزبيدي، ومحمد الحليلي، وغيرهم الكثير لا أتذكر أسماءهم، رحمهم الله جميعاً.
كنا نذهب صباحاً من حارة الأبهر، مروراً بسوق المحدادة و"سوق العرج"، ويحضر بعضنا صبوحا قطعة من اللقمة (خبز وجحين)، ونأكل الصبوح على كأس شاي في "مقهاية" أمام المدرسة، أحياناً كان يحضر إلينا بعض المفتشين ويجرون لنا اختباراً شخصياً في مادة الدين واللغة العربية.
* ما الذي أكسبكم أنت وزملاءك تعليمكم على أيدي مدرسين مصريين في تلك المرحلة؟
تعلمنا الكثير منهم، مثلا لأول مرة نعرف خط الرقعة؛ لأننا كنا نكتب بخط النسخ، بالإضافة إلى المواد العلمية ومادتي التأريخ والتربية الوطنية، ولأول مرة نعرف لهجة مختلفة عن لهجتنا اليمنية، ولم يكن لدينا في ذلك الوقت سوى مادة الحساب من العلوم الحديثة في المناهج الدراسية، وقد حصلت على الشهادة الابتدائية وانتقلت إلى الإعدادية، لكن جاءت حرب السبعين يوما الخالدة والتي انتصرت فيها إرادة الشعب اليمني على الملكيين فانقطعنا عن الدراسة.
* لمدة كم استمر هذا الانقطاع؟
حتى النصر العظيم في 8 فبراير 1968، لم ندرس أبدا منذ حصار السبعين وحتى انتهائها، وأتذكر أنني انتقلت لاحقا إلى مدرسة سيف بن ذي يزن، حيث تعرفت على مجموعة جديدة من الطلاب الذين انتقلوا من مدرسة الإصلاح (القسم الداخلي)، وأغلبهم كانوا أكبر مني سنا، من بينهم أحمد شميلة، صالح الزبيري، وهو ضابط شرطة، وعبد الله غشيم والمحامي العام علي القليسي، وعبد المؤمن الحلالي، كما التقيت أيضا بمجموعة أخرى منهم حسين الردمي وإبراهيم المقحفي، وأتانا من خارج صنعاء عبد الكريم مطير.
وقد توسعت حلقة الأصدقاء في أول إعدادي وقام بتدريسنا مجموعة من الطلاب الذين تخرجوا من الثانوية العامة لعدم وجود مدرسين في العام 68، منهم الدكتور الملاحي، والأستاذ محمد شرف الدين، الذي يعمل مع الوكالة الأميركية للتنمية، ومحمد العماري الذي يعمل حالياً في مكتب شؤون الوحدة، والسفير على الغفاري، وعقيل السقاف، والقاضي محمد عبد الولي... هؤلاء درسونا فترة الإعدادي، وكانوا باكورة عمل التدريس الإلزامي. كما أتذكر أيضا مدير المدرسة عز الدين تقي رحمه الله.
كما أتذكر أنه في عامي 64 و65 سكن في حي الأبهر بصنعاء القديمة الأستاذان عبد المجيد وعبد الواحد الزنداني والأستاذ عبد السلام كرمان، وكان الأستاذ عبد الواحد الزنداني يعمل لنا دروساً بعد العصر هو وأخوه الشيخ عبد المجيد، كانا في عز شبابهما وقد استأجرا منزلا في حي الأبهر.
* بالمناسبة هل تأثرت بشخصية الشيخ الزنداني؟
لم أنضم سياسيا عندهم؛ لأن والدي رحمه الله غرس فيّ قيم العروبة.
* ماذا عن ذكريات ما بعد مرحلة الإعدادية؟
تجاوزنا الصف الأول الإعدادي، وفي السنة الثانية التحق الإخوة على الآنسي وأحمد شميلة وآخرون بكلية الشرطة، ومن المفارقات أن اثنين من زملائي كانا متزوجين رغم صغر سنهما هما إبراهيم المقحفي وعبد الكريم مطير، والأول كان يتميز بالهدوء وكثرة القراءة، كان يقرأ خلال فترة الخمس الدقائق الاستراحة الواقعة بين الحصص.
وأتذكر أنه جاءنا مدرس من آل العنسي من خريجي السودان ويبدو أنه اشترك في قضايا الدفاع المدني؛ لأنه كان يعلمنا كيف نتعامل في حال داس أحدنا لغما وكيف نسقط على الأرض، ولم أستطع أن أقوم بأداء حركة السقطة، فكان نصيبي أنا وآخرين من زملائي القليل من الضرب كعقاب.
ومن النوادر أيضا أننا تنافسنا في طرح الأسئلة على مدير المدرسة، وهو الأستاذ عز الدين تقي الذي كان لديه غرفة في المدرسة يأكل ويشرب وينام فيها، وكان يوم خميس وقد وضع اللحمة على النار ريثما ينتهي من الحصة، إلا أن أسئلتنا التي شغلته تسببت في احتراق طبخته.
بيئة صنعاء القديمة
* ما الذي تتذكره من بيئة صنعاء القديمة التي ترعرعت فيها؟
أتذكر من بيئة صنعاء القديمة الأخوة التي جمعت الآباء والأمهات وطفولتي مع زملائي في الحارة سواء من آل اليدومي، السنيدار، السكري، عسلان، السياغي، وكذلك أسرة الزراحي الصديق أحمد رفيق، ولي أخت من الرضاعة من آل عسلان أو مجموعة من الأصدقاء والبيوت أتذكرها جميعا وأعتز بها وببساطتها.
كانت هناك بساطة وطيبة في التعامل، مثلا حين كان والدي ووالدتي يرسلانني إلى الجيران لغرض ما يستقبلونني بحفاوة، وحين كان يذهب الجيران إلى منطقة الروضة في الصيف حيث تأتي شاحنة من نوع "فلجو" تتوجه بهم إلى الروضة، وكنت أرى الأمهات يتوادعن ويجهشن بالبكاء، والآباء يودعون بعضهم البعض وكأنهم لن يروا بعضهم البعض لسنوات.
كانت هناك روح من الباسطة والطيبة والود بين الناس. وأتذكر أنه بعد قيام الثورة سكن بجوارنا الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رحمه الله والعم سنان أبو لحوم، وكانت تربط والدي بالعم سنان علاقة وطيدة وقديمة ذكرها الشهيد في كتابه، أما الشيخ عبد الله فلم يكن يعرف والدي إلا بعد قيام الثورة، لكن المرحوم الشيخ حميد بن حسين الأحمر كان من أعز أصدقاء والدي، وكانت بينه وبين والدي صداقة حميمة وعميقة، وقد حزن والدي عليه حزناً شديداً عندما أعدمه الطاغية الإمام احمد حميد الدين؛ فعندما سكنوا بجوارنا بدأ رجال القبائل يتوافدون على الحارة.
لم تكن هناك فوارق طبقية، حيث كنت ألعب أنا والشيخ صادق الأحمر وعيال العُبس وعيال مطشان، كان الناس مختلطين ولا توجد أية فوارق، واستمرت علاقتنا حتى اليوم، حيث دعيت كل هؤلاء الجيران في زفاف أولادي.
وتعودت أن أذهب لجامع الأبهر في كل رمضان، إلا أننا بعنا البيت القديم قبل خمس سنوات بسبب ظروف ناجمة عن مرض شقيقتي، رحمها الله، بمرض خبيث، ولكي نواجه نفقات علاجها ولا يزال لدينا حوش وأنوي أن أعمل به شيء إن شاء الله، وفي رمضان الماضي اصطحبت معي ابني وابن أختي وعرفتهما على زملائي القدامى في صنعاء القديمة.
* لماذا انتقلت من صنعاء القديمة؟
بعد الثورة وتحديدا في عام 73 توجهت للقاهرة للدراسة، وقطعا يتطلع الإنسان إلى سكن جديد ووالدي رحمه الله اشترى قطعة الأرض هذه التي عليها المنزل اليوم (في الحي السياسي) وكان قيمة اللبنة حينها 25 ألف ريال.
نكسة حزيران
* هل تتذكر شيئاً عن نكسة حزيران عام 67؟
كان والدي يتابع الأخبار في الراديو الكبير الذي أحضره من الحبشة، وفي اليوم التالي 6 يونيو، كما أتذكر، سمع من راديو أديس أبابا باللغة الأمهرية أخباراً غير تلك التي كنا نسمعها من إذاعة "صوت العرب" والإذاعات العربية الأخرى، وكان يتحدث مع عمي صالح وآخرين بالأمهرية، ولاحظت ذلك، ثم سألته عما حصل، فقال إن راديو أديس أبابا يقول إن الطيران المصري قد ضُرب.
وكل ما يأتي يوم خمسة يونيو أشعر بالحزن الشديد على هذه الحروب وخسارتها، وقد قرأت كتباً كثيرة إلى اليوم عما دار قبل وأثناء هذه الحرب المشؤومة.
* ما أهم موقف شعرت فيه بالحزن أو الفرح وارتبط ذلك بأحداث عامة حولك؟
أهم موقف أبكاني حزنا هو موت الزعيم جمال عبد الناصر، أحسست أن صنعاء في قمة الحزن. أما الموقف الذي أبكاني فرحا فكان يوم تحققت الوحدة اليمنية في العام 90؛ فقد كانت هذه اللحظة من لحظات الفرح التي لا تنسى في حياتي، كما هي في حياة اليمنيين جميعاً.
* ما الذي شدك لجمال عبد الناصر وجعلك تبكي من أجله؟
شدني مشروعه الوطني والقومي، ودفاعه عن الثورة اليمنية ومساندته لها، ودعمه لاستقلال الدول العربية من الاستعمار، ووالدي بذر في نفسي بذرة أن أكون عروبياً أحب وطني العربي من الخليج إلى المحيط وأن أكون جمهوريا، وقد استقبلت خبر وفاة عبد الناصر ثاني يوم وفاته، عندما كان والدي يقلب الراديو، وقال لي بصوت حزين: "لقد مات جمال عبد الناصر".
* بمناسبة الحديث عن الراديو، ما شعورك في أول يوم سمعت فيه الإذاعة؟
كنت أستمع للراديو الذي أحضره والدي معه من الحبشة من نوع "فيليبس"، ومازلت أحتفظ به إلى اليوم، كان حجم الراديو كبيراً، وكنت أستمع فيه لمختلف الإذاعات واشتركت في صغري ببرنامج للأطفال كان يقدمه محمد موسى.
صحيفة السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.